Furashadii Carabta ee Masar
فتح العرب لمصر
Noocyada
فما شعروا إلا والبطل العربي على رأس الحصن يكبر وسيفه في يده، وتحامل الناس إليه من داخل الحصن، غير أن السهام أمطرتهم من العرب في خارجه، واستطاع بذلك أصحاب الزبير أن يصلوا إليه فوق السلم ويطئوا الأسوار بأقدامهم. والظاهر أن الروم كانوا يتوقعون هجوم العرب من ذلك الجانب، فبنوا حائطا تعترض الممشى فوق السور من جانبي ذلك الموضع، فلما جاء العرب الذين صعدوا إلى الحصن وأناموا من كان هناك من حرسه وملكوا رأسه، ألفوا طريقهم مسدودة يعترضها ذلك الحائط، فلم يجدوا سبيلا إلى السلم ليهبطوا منه إلى قلب الحصن، ورأوا أنفسهم قد بلغوا رأس الأسوار ثم لا سبيل لهم وراء ذلك، وكانت تلك فرصة للمدافعين، ولو كان في قلوبهم بقية من القوة لاستطاعوا أن يرموهم بسهامهم فيردوا ذلك النفر أو يقضوا عليهم، ولكنهم ما كانوا ليفعلوا شيئا من ذلك وقد بلغت أرواحهم التراقي، فاجتمع كبارهم على عجل في أول الصباح الباكر فسألوا عمرا الصلح، وعرض «جورج» قائد الجند في الحصن أن يسلم على أن يأمن كل من هناك من الجند على أنفسهم. فقبل عمرو منهم الصلح، وخالفه الزبير خلافا شديدا في ذلك، وقال له إنه كان على وشك أن يفتح الحصن عنوة، وقال: «لو صبرت قليلا لنزلت من السور إلى داخل الحصن، ولكان الأمر على ما نشتهي.» ولكن عمرا لم يلتفت إلى ما قاله، وكتب عهد الصلح على أن يخرج الجند من الحصن في ثلاثة أيام، فينزلوا بالنهر، ويحملوا ما يلزم لهم من القوت لبضعة أيام، وأما الحصن وما فيه من الذخائر وآلات الحرب فيأخذ العرب كل ذلك،
30
ويدفع أهل المدينة للمسلمين الجزاء.
وكانت حملة العرب الأخيرة على الحصن في يوم الجمعة السابق لعيد الفصح، وذلك في السادس من أبريل سنة 641، وكان خروج الروم منه في يوم الاثنين، وهو عيد الفصح.
31
وفي مدة تلك الأيام الثلاثة جمع الروم السفن من جزيرة الروضة، ووضعوا فيها المئونة، وأخذوا في التجهز للهبوط في النيل إلى مصر السفلى. ولقد كان أشد لحزن جيش المسيحيين أن آخر يوم لهم في الحصن هو يوم الفصح (يوم القيامة)، وكأننا بهم وقد اجتمعوا في الكنائس قبل أن يخرجوا والحزن سائد عليهم والذل ضارب فيهم لما أصابهم من الهزيمة على يد المسلمين. ويجدر بنا أن نذكر هنا أن كبار الروم لم يتعظوا بما كان، ولم ترق قلوبهم لما نزل بهم من ذهاب أمر المسيحيين في مصر، ولم تقع في نفوسهم حرمة ليوم الفصح الذي خرجوا فيه، فبقيت في صدورهم العداوة والشحناء الذهبية لم يذهب منها شيء. وقد ذكرنا من قبل أنهم سجنوا في أول الحصار كثيرا من القبط الذين كانوا في الحصن؛ وذلك لأنهم أبوا أن يتركوا دينهم، أو لأنهم رابهم منهم أمر. فلما جاء يوم الفصح الذي كان فيه الخروج من الحصن، جعله الروم يوم وقعة ونقمة من هؤلاء المسجونين التعساء، فسحبوهم من سجونهم، وضربوهم بالسياط، وقطع الجند أيديهم، أمرهم بذلك كبيرهم «أودوقيانوس». ولا عجب مع هذا أن نجد الأسقف المصري يسبهم في ديوانه حانقا، ويسميهم «أعداء المسيح الذين دنسوا الدين برجس بدعهم، وفتنوا الناس عن إيمانهم فتنة شديدة لم يأت بمثلها عبدة الأوثان ولا الهمج، وعصوا المسيح وأذلوا أتباعه. فلم يكن في الناس من أتى بمثل سيئاتهم ولو كانوا من عبدة الأوثان.»
32
ويصف الأسقف المصري أنين أولئك الأسرى الذين مثل بهم وبكاءهم؛ إذ يساقون مطرودين من الحصن يشيعهم السباب. وإنه ليس بغريب مع ذلك من مثل الأسقف المصري أن يقول إن فتح الحصن للمسلمين لم يكن إلا عقاب الله على ما فعله الروم من الأفاعيل في القبط، ولو أن مثل هذا القول ليس مما يصح في الأذهان. على أن ذلك الأمر له معنى؛ إذ يدل على ما كان بين شيعتي المذهبين المسيحيين من عداوة لا تحل عقدتها، بقيت في قلوبهم لم تخب ولم تخمد نارها، مع ما ظهر من ثمار اختلافهم وعواقب تخاذلهم من فوز الإسلام وعلو أمره.
الفصل التاسع عشر
السير إلى الإسكندرية
Bog aan la aqoon