191

Fath Cali

فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك

Daabacaha

دار المعرفة

Daabacaad

بدون طبعة وبدون تاريخ

Gobollada
Masar
Boqortooyooyin
Cismaaniyiinta
قَوْله تَعَالَى " ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٠] لِأَنَّ ظُلْمَهُمْ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ نَقْضِهِمْ الْمِيثَاقَ، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَبُهْتَانِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ وَقَوْلِهِمْ إنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ سَبَبٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَالتَّحْرِيمُ وَقَعَ فِي التَّوْرَاةِ كَمَا اقْتَضَاهُ آيَتُهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَظُلْمُهُمْ هَذَا بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَالسَّبَبُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمُسَبِّبِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ فِي تَفْسِيرٍ قَوْله تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٠] أَيْ، وَكَانَ إحْلَالُهَا لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] الْآيَةَ اهـ. وَالتَّوْرَاةُ نَزَلَتْ جُمْلَةً لَمْ يَنْسَخْ بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران: ٩٣] الْآيَةَ لِقَوْلِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ نَزَلَ لَمَّا قَالَ الْيَهُودُ إنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ لُحُومَ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانَهَا ﴿كُلُّ الطَّعَامِ﴾ [آل عمران: ٩٣] الْآيَةَ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهَا " ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ تَكْذِيبًا لَهُمْ فِي ادِّعَائِهِمْ التَّحْرِيمَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وقَوْله تَعَالَى ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا﴾ [آل عمران: ٩٣] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي التَّوْرَاةِ، وَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَمَا وَجْهُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا﴾ [الأنعام: ١٤٦] حِكَايَةً عَنْ التَّوْرَاةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ غَرَضِي بِالْجَوَابَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَحْرِيرَ كَوْنِ تَحْرِيمِ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ وَقَعَ فِي التَّوْرَاةِ أَوْ سِوَاهَا إذَا لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ إنَّمَا كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُمَا إبْطَالَ مَا اعْتَقَدَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُعَاصِرِينَ أَنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَقَدْ تَبِعْت فِي قَوْلَيْ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي إخْبَارٌ عَنْ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ - عِبَارَةَ الْإِمَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُنَانِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَهِيَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ فَتُوَافِقُ عِبَارَتِي فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، وَشَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ تَصْدُقُ بِمَا عُلِمَ مِنْ التَّوْرَاةِ بِمَا عُلِمَ مِمَّا نَزَلَ عَلَى مُوسَى بَعْدَهَا إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ مُوسَى ﵊، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ تَحْرِيمَ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانِهَا عَلَى الْيَهُودِ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ حُرِّمَ عَلَى نُوحٍ قَبْلَهُمْ، وَأَنَّهُ دَامَ إلَى إبْرَاهِيمَ حَتَّى قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ إنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، وَتَسْتَحِلُّ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مِمَّا نَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَلَيْنَا الْيَوْمَ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَكَذَّبَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿كُلُّ الطَّعَامِ﴾ [آل عمران: ٩٣] الْآيَاتِ.
وَأَمَّا تَحْرِيمُ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ فَكَانَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَحَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِآيَتَيْ النِّسَاءِ، وَالْأَنْعَامِ تَكْذِيبًا لَهُمْ، وَرَدًّا عَلَيْهِمْ فِي إنْكَارِهِمْ ذَلِكَ وَقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا شَيْئًا إنَّمَا حَرَّمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَرَعًا، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِوُقُوفِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ، وَنَصُّهُ وقَوْله تَعَالَى ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾ [آل عمران: ٩٣]

1 / 195