المبحث الثَّالِث: التبصرة والتذكرة، لماذا؟
برز إلى ساحة التأليف تيار جديد في الشعر العربي يدعى "الشعر التعليمي" وَهُوَ نمط من أنماط الشعر يفتقر في معانيه إلى مادة الشعر الأصيلة من الصور والأحاسيس والأخيلة؛ لذا فَهُوَ لا يملك من الشعر إلا اسمه والأوزان والقوافي وقواعد علم العروض، غَيْر أنه في المقابل غني في الجوانب العلمية التي يتناولها، ويمتاز بأن هدفه إيصال فكرة مكثفة بعبارة قصيرة.
ولعل هذِهِ الميزات هِيَ التي دفعت بهذا النمط إلى أرض الوجود، ومن ثَمَّ انتشاره عَلَى ميدان واسع في مجال العلوم، وَهُوَ الغرض نَفْسه الذي دفع بالحافظ العراقي إلى نظم كِتَاب ابن الصَّلاح بهذه الأرجوزة، تسهيلًا لطلاب هَذَا العِلْم في حفظ مباحثه والتعرف عَلَى مَا قِيلَ فِيْهَا.
ولربما كَانَ هناك دافع آخر حدا بالحافظ العراقي لأنْ يضمن مباحث كِتَاب ابن الصَّلاح في أرجوزته، هُوَ مَا وقع فِيهِ ابن الصَّلاح من وهم نتيجة تقليده للحاكم أبي عَبْد الله، وما كَانَ لَهُ من استدراكات عَلَى ابن الصَّلاح كمَّلت جوانب المواضيع، ثُمَّ الجواب عَنِ الاعتراضات التي وجهها بعضهم لابن الصَّلاح، لا سيَّما أن الحافظ العراقي سبق لَهُ أن كتب نكتًا عَلَى كِتَاب ابن الصَّلاح وَهِيَ المشهورة باسم "التقييد والإيضاح "؛ لذا إننا نجد غالب المادة العلمية التي أضافها عَلَى ابن الصَّلاح قَدْ ضمَّنها أرجوزته، فهي حلقة في سبيل تكميل عرض لمباحث هَذَا العِلْم، خاليًا -عَلَى قدر الطاقة - من الإخلال والنقص.
المبحث الرابع: اهتمام العُلَمَاء بِهَا
نظرًا لما تمتعت به ألفية العراقي من جزالة الأسلوب، وثراء المعاني، وسلاسة الألفاظ، وترتيب الأفكار والموضوعات، فقد أصبحت ديدن طلاب هذا العلم والمشتغلين فيه، لاسيما وقد كان وكْدُ الناظم الأول تلخيص كتابٍ هو العمدة في هذا الباب، ألا وهو كتاب ابن الصلاح.
فلم يكن بدعًا من الأمر أن يتوالى عليها الشراح، ويضعون عصارة أفكارهم، دررًا نفيسة تحلي جيدَ الألفية، وتلبسها ثوبًا قشيبًا تقرُّ به عين ناظمها، ومن ثمَّ عيون
1 / 30