وجاور مدةً بالحرمين (١).
كما أنّه تولّى قضاء المدينة المنورة، والخطابة والإمامة فيها، منذ الثاني عشر من جُمَادَى الأولى سنة (٧٨٨ هـ)، حتى الثالث عشر من شوال سنة (٧٩١ هـ)، فكانت المدة ثلاث سنين وخمسة أشهر (٢).
وفي سبيل جعل شخصية الحافظ العراقي بينة للعيان من جميع جوانبها، ننقل ما دبَّجه قلم تلميذه وخِصِّيصه الحافظ ابن حجر في وصفه شيخه، إذ قال في مجمعه (٣):
«كان الشيخ منور الشيبة، جميل الصورة، كثير الوقار، نزر الكلام، طارحًا للتكلف، ضيق العيش، شديد التوقي في الطهارة، لطيف المزاج، سليم الصدر، كثير الحياء، قلَّما يواجه أحدًا بما يكرهه ولو آذاه، متواضعًا منجمعًا، حسن النادرة والفكاهة، وقد لازمته مدّة فلم أره ترك قيام الليل، بل صار له كالمألوف، وإذا صلَّى الصبح استمر غالبًا في مجلسه، مستقبل القبلة، تاليًا ذاكرًا إلى أن تطلع الشمس، ويتطوع بصيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر وستة شوال، كثير التلاوة إذا ركب ...»، ثُمَّ ختم كلامه قائلًا: «وليس العيان في ذلك كالخبر».
المبحث الخامس: شيوخه
عرفنا فيما مضى أنَّ الحافظ العراقي منذ أن أكبَّ على علم الحديث؛ كان حريصًا على التلقي من مشايخه، وقد وفّرت له رحلاته المتواصلة سواء إلى الحج أو إلى بلاد الشام فرصة التنويع في فنون مشايخه والإكثار منهم.
والباحث في ترجمته وترجمة شيوخه يجد نفسه أمام حقيقة لا مناص عنها، وهي أنَّ سمة الحديث كانت الطابع المميز لأولئك المشايخ، مما أدَّى بالنتيجة إلى تنّوع معارف
_________
(١) الضوء اللامع ٤/ ١٧٤.
(٢) إنباء الغمر ٢/ ٢٧٧، والضوء اللامع ٤/ ١٧٤، وطبقات الحفاظ: ٥٤٤.
(٣) المجمع المؤسس ٩٠ / أ.
1 / 15