93

Fath Al-Andalus

فتح الأندلس

Noocyada

قال يوليان : «لا خوف عليها فإنها في أمان، ولا تظن أن مجيئك غير شيئا من عزمنا في شأنها، فقد كان الأمير عازما على إرجاعها إليك آمنة سالمة، وأما بكاؤها الذي تراه فإنما هو من خوفها. وقد ظنت هؤلاء العرب يرتكبون مثل ما يرتكبه حاكمكم رودريك، فإنه بمثل هذا الفعل الشنيع سيخرج سلطانه من يديه إن شاء الله.» قال ذلك وانقبضت أسارير وجهه للحال فلم يدرك أحد سبب ذلك الانقباض. على أنه استطرد في الكلام قائلا: «وأما سبب مجيئها إلينا، فإن أحد رجال الأمير خرج في أصيل هذا اليوم لحاجة فرآها في الطريق فجاء بها وهو يحسبها من السبايا، فلما علم الأمير بذلك أنكره عليه، وقد كانا في جدال عنيف في هذا الشأن إلى ساعة دخولك.»

ولم يتم يوليان كلامه حتى وثب إلى وسط الخيمة شاب بملابس العرب وعلى رأسه عمامة صغيرة، ولكن سحنته غير سحنة العرب ولا البرابرة، وهو في مقتبل العمر تتدفق الصحة من عينيه وجبينه ونظر إلى يوليان وهو يقول: «أراك حرمتني من غنيمتي رغبة في مرضاة أبناء عشيرتك.»

فأجابه طارق، وهو يبتسم، قائلا: «لا تتعجل يا بدر، فإنك ستصيب كثيرا من الغنائم، فنحن في أول الطريق، وغدا تلتقي بجند طليطلة فما تظفر به من غنائم أو سبايا فهو لك، أما الآن فإننا لسنا في حرب، ولا يمكننا أن نعد هذه الفتاة سبية، وهذا أبوها شيخ قد طعن في السن، وقد رأيت ما كان من لهفته عليها، فهل يليق بنا أن ننغص عيشهما بلا حق؟ والإسلام إنما يدعو إلى الرفق والعدل، وأما السبايا التي تؤخذ بالحرب فهي حلال لأصحابها، ومن كان في مثل بسالتك وجهادك يظفر بأحسن الغنائم وأجمل السبايا.»

ثم التفت طارق إلى الشيخ وقال: «انصرف أيها الشيخ إلى منزلك وأنت في أمان حتى تصل إليه، واعلم أننا لم ندخل هذه البلاد إلا رحمة بأهلها، وإن ديننا يأمرنا بالرفق والإحسان، فكن أنت وكل أهل الأندلس على يقين من أن من يكف يده عن حربنا فهو في ذمتنا ولا خوف عليه. وأما الذين يجسرون على مناوأتنا فما دواؤهم إلا السيف.» ثم نادى: «يا غلام.» فدخل رجل بربري من أعوان طارق فقال له: «اصحب الشيخ وابنته حتى يصلا إلى مسكنهما.»

فهم الشيخ بتقبيل يد طارق، فمنعه وطيب خاطره وصرفه. فخرج وهو يثني على ما لاقاه من طارق وقال في نفسه: «بمثل ذلك يملك الأمير الرعية ولا يملكهم بالعنف أو الظلم.»

أما بدر فإنه سكت احتراما لطارق وفي نفسه حزازة على يوليان لاعتقاده أنه هو الذي منعه من غنيمته، ولكنه كظم ما في نفسه وخرج من الخيمة إخفاء لعواطفه.

الهروب

تركنا فلورندا وخالتها والرجلين - أجيلا وشانتيلا - هائمين على وجوههم في ضواحي طليطلة، وكان السبب في ذلك - كما علمت من سياق الرواية - أن أجيلا وشانتيلا كانا في انتظار فلورندا عند أسفل القصر في تلك الليلة الباردة المرعدة، فلما تيسر لها الإفلات من بين يدي رودريك، بعد أن بغته أوباس كما تقدم، أسرعت إلى النافذة وحملت ما استطاعت حمله من الثياب وأيقونة صغيرة للسيدة العذراء، كانت شديدة الاعتقاد بكرامتها، فخبأتها بين ثيابها والتفت بالقباء، وخالتها العجوز تساعدها على التأهب. فلما أتما الاستعداد بقدر الإمكان أطلت العجوز ونادت، وكان الرجلان على أهبة العمل فتسلقا الشجرة وتكاتفا على إنزال فلورندا سالمة، ثم العجوز وما بقي من الأمتعة الضرورية، ونزلوا جميعا من الحديقة والرياح تهب والرعود تقصف وهم من الخوف في شغل عن كل ذلك حتى نزلوا إلى القارب. وكانت فلورندا تتوقع أن ترى ألفونس فيه لأنه هو الذي كتب إليها أن توافيه إليه، فلما رأت القارب خاليا اضطربت وقلقت، واستحيت أن تسأل عنه، فخاطبت خالتها بالأمر، فالتفتت العجوز إلى الرجلين وقالت: «وأين الأمير ألفونس؟»

فقال شانتيلا: «لم يأت معنا يا سيدتي.»

قالت: «وأين هو؟»

Bog aan la aqoon