91

Fath Al-Andalus

فتح الأندلس

Noocyada

غربت الشمس وهي ترسل أشعة ذهبية تشرح الصدر ويتطاول أهل المدن لرؤيتها وقلما يتفق لهم ذلك. ولو أراد الفلاحون لرأوها كل ليلة، ولكنهم في شغل عنها وعن سواها من مناظر المساء بإعداد العشاء والاجتماع تحت سقف المنزل أو تحت بعض الأشجار. فلما غابت الشمس اجتمع أفراد تلك العائلة وهم يعدون بالعشرات وفيهم الأطفال والأحداث والشبان والشابات، وأصغرهم سنا أكثرهم فرحا.

وكان أعظمهم اهتماما ذلك الشيخ؛ لأنه لم يكن يهدأ له بال إلا بعد أن يرى أولاده وأحفاده تحت ذلك العريش في آخر النهار، وخصوصا بعد أن جند أمير تلك الناحية بعضهم بأمر رودريك ليكونوا له عونا في محاربة العرب القادمين عليهم من جهة البحر.

فلما ظن الشيخ أن الاجتماع قد اكتمل تفرس في أولاده فإذا إحدى بناته لا تزال غائبة، وكانت أعزهم على قلبه للطفها وحنوها، فصبر هنيهة أخرى لعلها تأتي، فلما استبطأها نادى زوجته قائلا: «أين مارية؟» سمعته يسألها عنها بغتت وصاحت: «ألم تأت بعد؟»

قال: «كلا، أين تركتموها؟»

قالت: «تركتها في المستودع الكبير فوق الرابية تغسل بعض الأواني، وتنقل بعض الجرار الملآنة إلى جانب آخر ومعها أخوها بطرس.» قالت ذلك والتفتت إلى ما حولها ونادت: «بطرس» فجاء الغلام مسرعا فابتدرته قائلة: «أين تركت مارية؟»

قال: «تركتها في المستودع الكبير، ألم تأت بعد؟»

قالت الأم: «لا ...»

ولم تتم العجوز قولها حتى وثب بطرس من العريش وأسرع نحو ذلك التل وهو يقول: «سأعود بعد قليل.» وإنما دفعه إلى تلك العجلة شعوره بأنه أخطأ برجوعه وحده دون أخته.

وكان القمر في أواخر أيامه والليل مظلم والطرق بين الكروم شاقة وعرة، إلا على أهل الكروم فإنهم يمشون بينها وأعينهم مغمضة لا يعثرون بعود ولا حجر. ولبث الشيخ وأهله ينتظرون رجوع بطرس على مثل الجمر، وهم يعدون خطواته ويقدرون الأماكن التي يمر بها ويتنبئون بوصوله إلى كل منها، حتى ظنوا أنه وصل وعاد، فإذا هو لم يرجع بعد، فانشغل خاطرهم وصبروا أنفسهم حتى طال غيابه، فلم يعد الوالدان يستطيعان صبرا، فوثب الوالد الشيخ كأنه شاب في عنفوان الشباب، واقتفى أثر ابنه عن طريق مختصر لا يعرفه الابن، ولم تكن المسافة بين العريش وذلك المستودع تزيد على مائة متر شرقا من جهة النهر، والمستودع مشرف على ضفاف النهر وعلى معظم كروم تلك الناحية.

وادي ليتة

Bog aan la aqoon