فالتفت ألفونس إلى ما حوله فلم ير إلا أشباحا سوداء بشكل واحد وقيافة واحدة ، وندم لمجيئه على تلك الصورة مخافة أن يكون في خطر، ثم تذكر ثقته بيعقوب، فاطمأن باله ولبث ساكتا والجميع سكوت برهة، ثم نهض أحد الحضور عن كرسيه وتقدم إلى المائدة وتناول الدرج وفتحه أمام المصباح، فرأى ألفونس عليه كتابة لا يفهمها، ولما أخذ الرجل في القراءة وقف الجميع وألفونس في جملتهم حتى إذا أتم قراءته قبل الدرج ورجع إلى مكانه، وجلس فجلس الباقون لا ينطق واحد منهم بكلمة.
ثم تكلم الرجل بذلك اللسان كلاما طويلا أجابه عليه بعض الحضور، ثم تكلم يعقوب باللسان القوطي قائلا: «يسمح حضرة الرئيس فيعقد جلسة خاصة يحضرها هو ومن شاء للمداولة في أمر هام ...»
فوقف الرجل الأول وبيده سيف صغير وأشار به إشارة خاصة فوقف الجميع، ثم تقدم منهم ثلاثة وقفوا بإزائه وتقدم يعقوب وألفونس حتى وقفا معهم، ثم اتجه الرئيس إلى باب وراءه ففتحه ودخل وتبعه الباقون إلى دهليز مظلم وصلوا منه إلى باب فتحه بيده ودخل إلى حجرة مظلمة، ووقف ببابها وتكلم فجاءه من بين الجماعة رجل بشمعة مضيئة مرتكزة على طبق من البرونز، فتناولها منه ورجع الرجل وأغلق الباب وراءه، فدخل الرئيس بالشمعة حتى وضعها على حجر مرتفع في أحد جوانب المكان.
كشف السر
ونظر ألفونس في ذلك المكان فإذا هو حجرة صغيرة جدرانها سوداء، وسقفها أسود، وفي أرضها صندوق كالتابوت الكبير فوقه درج صغير، وحول التابوت بساط جلسوا عليه، والتابوت في وسطهم. فتأثر ألفونس من ذلك المنظر الرهيب وخفق قلبه لهول ما شاهده من الغرائب في تلك الليلة، وقد نفد صبره لمشاهدة أشباح سوداء لا يرى لها وجوها ولا يدري من يكونون.
فلما جلسوا تكلم يعقوب بالقوطية قائلا: «هل يظن الرئيس أن الطعام قد نضج؟»
قال الرئيس: «أنت أدرى منا بنضجه لأنك موقد ناره.»
فقال يعقوب: «أرجو أن يكون قد نضج ولكنه يحتاج إلى أدم كثير لأن الطعام بلا أدم لا يؤكل ...»
فقال الرئيس: «الأدم كثير، ومنه في هذا الصندوق ما يطبخ به طعام العالم بأسره، فضلا عن أمثاله مما يحمل إلى المطبخ عند الحاجة .»
فلم يفهم ألفونس مغزى تلك الرموز ولم يصبر عن الكلام فقال: «أما وقد خلونا في هذا المكان ونحن بضعة رجال فأرجو أن يكون الكلام صريحا ...»
Bog aan la aqoon