145

Fath Al-Andalus

فتح الأندلس

Noocyada

فقال: «هل كنت ناسيا إياها؟»

فقال يوليان: «كلا، ولكنني لم أسمع هذا اللفظ منذ أعوام ولو لم تحلفني به لكنت قضيت على هذا الغلام وخلصت الناس من وقاحته.»

فقال سليمان: «لو عرفته ما تمنيت التخلص منه.»

قال يوليان: «وماذا يهمني من معرفته؟ يكفي للدلالة على أصله ما ظهر الآن من وقاحته وحماقته.»

قال: «لا تبالغ في شتمه وانظر إلى وجهه وتفرس فيه، فإنك تذكر به حبيبا تحبه وتتوهم أنك فقدته وهي حي بين يديك.»

كشف السر الأخير

فلم يفهم يوليان مغزى تلك الإشارة، وكان قد جلس وتحول غضبه إلى حزن، ولا يزال أوباس وطارق وألفونس واقفين وقد علتهم البغتة مما شاهدوه، وهم ينتظرون ما يقوله سليمان. فلما سمع يوليان إشارته تنبه، وتفرس في سليمان ليرى هل يقول الجد أو الهزل، فرأى الجد باديا في كل جارحة من جوارحه، وقبل أن يقول كلمة نهض سليمان والتفت إلى الحاضرين، وأشار إليهم أن يجلسوا ليسمعوا حديثا يريد أن يقصه عليهم، فجلسوا إلا بدرا فإنه اغتنم فرصة اشتغالهم وخرج لاستبدال سيفه استعدادا لمنازلة يوليان ثانية ... أما سليمان فجلس وقال: «اسمعوا فأقص عليكم سرا حفظته منذ أعوام وفيه موعظة وحكمة» وأخذ يقص قصته بالقوطية ويترجمها إلى العربية. قال وقد وجه خطابه أولا إلى أوباس:

لا يخفى على مولاي الميتروبوليت ما قاساه اليهود في إسبانيا من ظلم حكامهم القوط من صنوف الاضطهاد والجور حتى أجبروهم أخيرا على النصرانية أو الرحيل من بلادهم، فكان منهم من رحل ومنهم من تظاهر بالنصرانية وبقي في البلاد يسعى في إفساد أمرها على الحكومة، ولا أخفي عليكم أني واحد من هؤلاء المتنصرين، وقد قضيت مع الكونت يوليان أعواما وهو يحسبني نصرانيا، والحقيقة أني لا أزال على دين آبائي وأجدادي. وأظن مولاي الميتروبوليت يعلم أن يعقوب (وأشار إليه) حبر من أحبار اليهود ومن كبار أغنيائهم، وقد تظاهر بالنصرانية وأدخل نفسه في خدمة البلاط الملكي من أيام المرحوم غيطشة، وسعى لديه في رفع الضغط عن اليهود، وكاد ينجح لو لم يحل دون ذلك انتهاء أجل غيطشة، فلما تولى رودريك عاد الضغط إلى ما كان عليه، ونحن نعقد الجمعيات السرية ونبذل الأموال في مقاومة هذه الحكومة الظالمة وهدم أركانها. ولم نكن ندخر وسعا في معاكستها ومعاكسة رجالها من الكونتات أو القواد أو غيرهم. ولكننا لم نكن نستطيع ذلك جهارا فكنا نفعله سرا - والآن وصلنا إلى جوهر القصة - وأتيح لي بعد تظاهري بالنصرانية الرحلة إلى الآفاق، فنزلت سبتة منذ بضعة عشر عاما وتقربت من حضرة الكونت، وبذلت ما في وسعي لاكتساب ثقته، ففزت بذلك، وصرت أتردد إلى منزله كواحد من أهله. وكان له ولدان، أحدهما انثى وهي فلورندا، والثاني ذكر كان اسمه طوماس. واتفق في أثناء ذلك أن جددت الحكومة اضطهاد اليهود، وأتتنا التعليمات السرية أن ننتقم لهم بأية وسيلة كانت. فتهيأ لي أن أحرم الكونت أعز ولديه وهو الصبي، ولم تسمح نفسي بقتله فاحتلت في سرقته وحمله معي في أثناء أسفاري إلى بعض قبائل البربر، وبعته لأحد كهنتهم الوثنيين (ماربوط) بثمن زهيد، ولم أقل له من أين أتيت به، فاشتراه ثم سلمه إلى زياد والد الأمير طارق، فرباه مع أولاده، فشب الغلام لا يعرف والده، ولا أحد يعرفه سواي، وسموه بدرا لبياضه. وهو هذا الشاب الذي كان بين يديكم. وبما أن الكونت يوليان قد انقلب على حكومة القوط الآن ونصر أعداءهم حتى أصبح من أنصارنا، فلذلك وجب علينا كشف هذا السر له.

وكان سليمان يتكلم وهم يتطاولون بأعناقهم، ولا سيما يوليان، فقد حسب نفسه في حلم، وكان وهو يسمع الحديث يبحث ببصره عن بدر في جوانب الخيمة وقلبه يخفق. وكانت الشمس قد غابت وأظلمت الخيمة، وأحس طارق من تلك الساعة كأن غشاوة أزيحت عن عينيه؛ إذ عرف أصل هذا الغلام والتفت ونادى: «بدر.» فلم يجبه أحد ثم انشق باب الخيمة ودخل بدر وقد استبدل سيفه.

فلما رآه يوليان وثب وهو لا يدري ماذا يقول، ونادى: «طوماس، طوماس» وهرع نحوه. فلما رآه بدر مسرعا إليه تراجع ويده على قراب سيفه كأنه يهم أن يضربه أو يتلقى ضربة به. فوقف سليمان وقال: «تعال يا بدر وقبل يد الكونت وهو يقبلك فإنه أبوك.»

Bog aan la aqoon