من أوباس الميتروبوليت إلى رودريك ملك طليطلة
أكتب إليك من سجني لا لرحمة أرجوها ولا لنكبة أخافها، ولكنني علمت بمصيبة تهدد المملكة، فأردت أن أكون شريكا في دفعها وأن أضع رأسي بين رءوس جندها، ولي كلام أحب أن ألقيه على مسامعك، فمر حارس سجني أن يحملني إليك، والسلام.
وخرج فدفع الكتاب إلى الحارس وأمره أن يوصله إلى الملك وعاد إلى مجلسه، فحمل الضابط الكتاب وسار.
وكان رودريك قد أصبح في حيرة من أمره بعد أن هجره قائد جنده، فلا هو يستطيع أن يتنازل لاسترضائه ولا ذاك يعود إليه من تلقاء نفسه، ولو كان الأب مرتين عنده لاستعان به في فض هذا الخلاف، فقضى معظم اليوم في غرفته وإذا بخادمه الخاص يحمل إليه كتاب أوباس، فتلاه وهو لا يصدق أنه يقرأه، فأعاد قراءته غير مرة. ولما فرغ من ذلك أمر أن يكتب باستقدام أوباس وخرج لانتظاره في قاعة المجلس.
وبعد هنيهة دخل أوباس بقدم ثابتة وجأش رابط، فلبث رودريك صامتا ساكنا ليرى ما يبدو منه، فبدأ أوباس بالكلام قائلا: «لا تخف أيها الملك، إني لم آتك لعتاب أو توبيخ، إنما جئت لأمر يتعلق بمصلحة المملكة. جئت على أثر ما بلغني من نزول العرب في شواطئها وعزمهم على فتحها، وأن قائد جندك أغضب نفسه وأغضبك واغتنم ساعة حاجتك إليه وهجرك ... وهو ضعف شبيه بضعف يوليان صاحب سبتة، فإنهما غضبا من أحد رجال القوط، فعمدا إلى الانتقام من المملكة كلها ومن نفسيهما لأنهما من أفرادها ... على أن خطأهما لا يبرئ الملك من الخطأ الذي اقترفه مما لا نخوض فيه الآن.» قال ذلك بسكينة ورزانة، والجد باد في وجهه، فاستغرب رودريك ما سمعه وارتاب في إخلاصه لأنه لا يستطيع أن يتصور مثل هذه الخصال لبعدها عن خصاله هو، كما يستبعد الشهم الوفي وجود أناس يكافئون على الحسنة بالأذى، فأراد أن يتبين حقيقة ما يريد أوباس فقال: «وما الذي تراه؟»
قال: «لقد أحسنت في اقتصارك على الموضوع الذي نحن فيه، فالذي أراه أن نبعث إلى الكونت كوميس وإلى الأب مرتين، فإذا حضرا أوبخهما وأحرضهما على الرجوع إليك والعمل معك على إنقاذ هذه المملكة من غارة المهاجمين.»
فأمر رودريك أحد الحرس أن يذهب في استقدامهما حالا، فسار الرجل وأشار رودريك إلى أوباس بالجلوس وهو لا يصدق أنه يقول ما يقوله عن إخلاص وحمية. وظل صامتا يخشى أن تبدو منه بادرة يلام عليها؛ لأن أوباس بهره بمروءته وجسارته.
وأما أوباس فجلس ولم يعبأ بمن في حضرته، وبعد قليل عاد الرسول وأنبأ الملك بقرب مجيئهما. ثم أقبل كوميس فحيا باحترام وجلس بإشارة الملك، وقد استغرب وجود أوباس هناك، ثم جاء مرتين فبدا عليه الانفعال حين وقع بصره على أوباس. أما أوباس فالتفت إلى رودريك واستأذنه في الكلام فأذن له، فوجه كلامه إلى كوميس قائلا: «قد بلغني يا حضرة الكونت أنك خرجت بالأمس من مجلس الملك غاضبا، فكيف حالك الآن؟»
فقال: «لم أغضب من جلالة الملك إلا غيرة على المملكة ، ولكنني لم أبلغ منزلي وأخل بنفسي حتى رأيتني قد تعجلت في الأمر؛ لأننا في حالة تدعو إلى الاتحاد لدفع الأعداء.»
ولم يتم كلامه حتى ابتدره أوباس قائلا: «يا لك من شهم صادق! ذلك رجائي فيك لعلمي بحدة مزاجك، وحاد المزاج سريع الرجوع إلى الصواب.» ثم التفت إلى مرتين وكان جالسا مطرقا، وقال: «ولا أظن الأب مرتين إلا فاعلا مثل ذلك أيضا.» فظل مرتين مطرقا ولم يجب، فالتفت أوباس إلى رودريك وقال: «لا ريب عندي في رغبة قداسة الأب في الوفاق والوئام ونبذ البغضاء عملا بوصية السيد المسيح؛ ولذلك فإننا لا نطيل الكلام في هذا الشأن بل نبادر إلى العمل، فيأمر جلالة الملك بعقد المجلس من كبار رجال الدولة للنظر في الوسائل اللازمة.»
Bog aan la aqoon