والطريق الثاني أن يقال: بل هذا من الشيطان؛ لأنه مخالف لما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ينظر فيما حصل له، وإلى سببه، وإلى غايته، فإن كان السبب عبادة غير شرعية، مثل أن يقال: اسجد لهذا الصنم حتى يحصل لك المراد، واستشفع بصاحب هذه الصورة حتى يحصل لك المطلوب، أو ادع هذا المخلوق، واستغث به، مثل أن يدعو الكوكب، أو أن يدعو مخلوقا كما يدعو الخالق، سوء المخلوق ملكا، أو نبيا، أو شيخا. فإذا دعاه كما يدعو الخالق سبحانه إما دعاء عبادة، وإما دعاء مسألة، صار مشركا به، فحينئذ ما حصل له بهذا السبب حصل له بالشرك، كما يحصل للمشركين وكانت الشياطين تترائى لهم أحيانا، وقد يخاطبونهم من الصنم، ويخبرونهم ببعض الأمور الغائبة، أو يقضون لهم الحوائج، فكانوا يبذلون لهم هذا النفع القليل بما اشتروه من توحيدهم وإيمانهم، الذي هلكوا بزواله كالسحر، قال الله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} . إلى قوله: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} . [البقرة: 102] 1 # قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرح "الأربعين": "والأعمال قسمان: عبادات، ومعاملات، فأما العبادات: فما كان منها خارجا عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} . [الشورى: 21] . فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية، وهذا كمن تقرب إلى الله تعالى بسماع الملاهي، أو بالرقص، أو بكشف الرأس، في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسوله التقرب بها بالكلية. وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقا ، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قائما في الشمس فسأل عنه فقيل: إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل، وأن يصوم. فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقد ويستظل وأن يتم صومه 1، فلم يجعل قيامه وبروزه للشمس قربة بنذرهما، وقد روي أن ذلك كان في يوم الجمعة عند سماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخطب2 إعظاما لسماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قربة توفي بنذره مع أن القيام عبادة في مواضع للمحرم، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن، وإنما يتبع في ذلك ما وردت به الشريعة في مواضعها. وكذلك من تقرب بعبادة نهي عنها بخصوصها، كمن صام يوم العيد، أو صلى في وقت النهي.
Bogga 58