والعبادات البدنية وأصولها: الصلاة، الصيام، والقراءة، التي جاء ذكرها في الصحيحين في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص لما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "ألم أحدث أنك قلت لأصومن النهار ولأقومن الليل ولأقرأن في ثلاث"؟، قلت: بلى، قال: "فلا تفعل فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس"، ثم أمره بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، فانتهى به إلى صوم يوم وفطر يوم، فقال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: "لا أفضل من ذلك"، وقال: "أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما، وأفضل القيام قيام داود كان نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه"، وأمره أن يقرأ القرآن في سبع1. ولما كانت هذه العبادات هي المعروفة قال في حديث الخوارج الذي في الصحيحين: "يحقر أجدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" 2. فذكر اجتهادهم بالصلاة، والصيام، والقراءة، وأنهم يغلون # في ذلك، حتى تحقر الصحابة عبادتهم في جنب عبادة هؤلاء، وهؤلاء غلوا في العبادة بلا فقه، حتى آل الأمر بهم إلى البدعة فقال: "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما وجدتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة". فاستحلوا دماء المسلمين، وكفروا من خالفهم، وجاءت فيهم الأحاديث الصحيحة، قال الإمام أحمد بن حنبل: صح فيهم الحديث من عشرة أوجه، وقد أخرجها مسلم في صحيحه، وأخرج البخاري قطعة منها. ثم هذه الأجناس الثلاثة مشروعة، ولكن يبقى الكلام في القدر المشروع منها، وله تصنيف يسمى: كتاب "الاقتصاد في العبادات" وقال أبي بن كعب -رضي الله عنه-: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة. والمقصود هنا الكلام في أجناس عبادات غير مشروعة حدثت في المتأخرين، كالخلوات، فإنها تشبه الاعتكاف الشرعي، والاعتكاف الشرعي في المساجد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله هو وأصحابه، وأما الخلوات فبعضهم يحتج فيها بتحنثه صلى الله عليه وسلم بغار حراء قبل الوحي، وهذا خطأ فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة إن كان قد شرعه بعد النبوة فنحن مأمورون باتباعه، وإلا فلا -إلى أن قال-: ثم صار أصحاب الخلوات منهم من يستمسك بجنس العبادات الشرعية، كالصلوات، والصيام، والقراءة، والذكر، وأكثرهم يخرجون إلى أجناس غير شرعية، فمن ذلك طريق أبي حامد ومن تبعه، وهؤلاء يأمرون صاحب الخلوة أن لا يزيد على الفرض، ولا قراءة ولا نظر في حديث نبوي، ولا غير ذلك، بل قد يأمرون بالذكر ثم يقولون ما يقوله أبو حامد: ذكر العامة # :لا إله إلا الله" والخاصة "الله الله" وذكر خاصة الخاصة "هو هو" والذكر بالاسم المنفرد، مظهرا أو مضمرا، بدعة في الشرع، وخطأ في القول واللغة، فإن الاسم المجرد ليس هو كلاما، لا إيمانا ولا كفرا، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الكلام بعد القرآن وهي من القرآن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" 1. وفي حديث آخر: "أفضل الذكر لا إله إلا الله" 2. والأحاديث في فضل هذه الكلمات كثرة صحيحة، وأما الاسم المفرد بدعة لم تشرع، وليس هو بكلام يعقل، ولا فيه إيمان، ولهذا صار بعض من يأمر به من المتأخرين منهم يبين أنه ليس قصدنا ذكر الله، ولكن جمع القلب على شيء معين، حتى تستعد النفس لما يرد عليها. فكان يأمر مريده بأن يقول هذا الاسم مرات، ويخيل إليه أنه صار في الملأ الأعلى، وأنه أعطي ما لم يعط محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، ولا موسى يوم الطور، -ثم ذكر كلاما طويلا في تنوع هؤلاء والرد عليهم إلى أن قال-: وأما قصد الصلاة، والدعاء، والعبادة، في مكان لم يقصد الأنبياء فيه الصلاة والدعاء والعبادة، بل روي أنهم مروا به، أو نزلوا فيه أو سكنوه، فهذا لم يكن ابن عمر ولا غيره يفعله، وأبلغ من ذلك إذا رأى أحدهم في المنام بمكان أن يقصد الصلاة والدعاء والعبادة في ذلك المكان فهذا لم يفعله أحد من السلف، بل قد نقل أن أقواما قصدوا الشجرة التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تحتها، فأمر عمر فقطعت.
Bogga 54