١١٢ - السهو في الصلاة
يقول السائل: إن إمام مسجدهم قد سها في صلاة العشاء فقام من الركعة الثانية إلى الثالثة دون أن يجلس للتشهد الأوسط ولم يقم المصلون معه بل سبحوا ثم رجع الإمام إلى الجلوس وأتمَّ الإمام الصلاة وسجد للسهو. وبعد الانتهاء من الصلاة قام أحد المصلين وقال إن الصلاة باطلة ثم أعادوا الصلاة جميعًا. فما قولكم؟
الجواب: النسيان والسهو من الأمور الملازمة للإنسان والسهو في الصلاة واقع فقد سها النبي ﷺ أكثر من مرة في صلاته كما ثبت ذلك في عدة أحاديث منها: عن عبد الله بن بحينة ﵁ أنه قال: (صلى لنا رسول الله ﷺ ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن مسعود ﵁: (أن رسول الله ﷺ صلى الظهر خمسًا فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صليت خمسًا فسجد سجدتين بعدما سلم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة ﵁ قال: (صلَّى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم في ركعتين ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبًا وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يتكلما وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي ﷺ يمينًا وشمالًا فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق لم تصل إلا ركعتين فصلى ركعتين وسلَّم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلَّم) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. وسجود السهو واجب في الصلاة إذا وُجد المقتضي له على الراجح من أقوال أهل العلم كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ٢٣/٢٧-٢٨. إذا تقرر هذا فأعود إلى جواب السؤال فأقول: إذا سها الإمام بعد الركعتين الأوليين فقام إلى الثالثة فينبغي أن لا يرجع ويتم صلاته ثم يسجد للسهو. وأما إذا عاد إلى الجلوس بعد أن استتم قائمًا فقد أساء وأتى مكروهًا وصلاته لا تبطل بل صحيحة وهذا قول جمهور أهل العلم.
قال الحافظ ابن عبد البر شارحًا لحديث عبد الله بن بحينة المذكور أولًا ما نصه: [وفي هذا الحديث من الفقه أن المصلي إذا قام من اثنتين واعتدل قائمًا لم يكن له أن يرجع وإنما قلنا واعتدل قائمًا لأن الناهض لا يسمى قائمًا حتى يعتدل على الحقيقة وإنما القائم المعتدل وفي حديثنا هذا: ثم قام وإنما قلنا لا ينبغي له إذا اعتدل قائمًا أن يرجع لأنه معلوم أن من اعتدل قائمًا في هذه المسألة لا يخلو من أن يذكر بنفسه أو يذكره من خلفه بالتسبيح ولا سيما قوم قيل لهم: من نابه شيء في صلاته فليسبح وهم أهل النهى وأولى من عمل بما حفظ ووعى وأي الحالين كانت فلم ينصرف رسول الله ﷺ إلى الجلوس بعد قيامه فكذلك ينبغي لكل من قام من اثنتين أن لا يرجع فإن رجع إلى الجلوس بعد قيامه لم تفسد صلاته عند جمهور العلماء وإن اختلفوا في سجود سهوه وحال رجوعه وقد قال بعض المتأخرين: تفسد صلاته وهو قول ضعيف لا وجه له لأن الأصل ما فعله وترك الرجوع رخصة وتنبيه على أن الجلسة لم يكن فرضًا والله أعلم] فتح المالك ٢/٢٠٤. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما القيام في موضع الجلوس ففي ثلاث صور إحداها: أن يترك التشهد الأول ويقوم وفيه ثلاث مسائل: الأولى ذكره قبل اعتداله قائمًا فيلزمه الرجوع إلى التشهد وممن قال يجلس: علقمة والضحاك وقتادة والأوزاعي والشافعي وابن المنذر وقال مالك: إن فارقت أليتاه الأرض مضى وقال حسان ابن عطية: إذا تجافت ركبتاه عن الأرض مضى. ولنا: ما روى المغيرة بن شعبة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (فإذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائمًا فليجلس فإذا استتم قائمًا فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو) رواه أبو داود وابن ماجة ولأنه أخل بواجب ذكره قبل الشروع في ركن مقصود فلزمه الإتيان به كما لو لم تفارق أليتاه الأرض. المسألة الثانية: ذكره بعد اعتداله قائمًا وقبل شروعه في القراءة فالأولى له أن لا يجلس وإن جلس جاز نص عليه – أي الإمام أحمد - قال النخعي: يرجع ما لم يستفتح القراءة وقال حماد بن أبي سليمان: إن ذكر ساعة يقوم جلس. ولنا: حديث المغيرة وما نذكره فيما بعد ولأنه ذكره بعد الشروع في ركن فلم يلزمه الرجوع كما لو ذكره بعد الشروع في القراءة ويحتمل أنه لا يجوز له الرجوع لحديث المغيرة ولأنه شرع في ركن فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في القراءة. المسألة الثالثة: ذكره بعد الشروع في القراءة فلا يجوز له الرجوع ويمضي في صلاته في قول أكثر أهل العلم وممن روي عنه أنه لا يرجع عمر وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وابن الزبير والضحاك بن قيس وعقبة بن عامر وهو قول أكثر الفقهاء] المغني ٢/٢٠. والحديث الذي ذكره الشيخ ابن قدامة رواه أبو داود وابن ماجة وقال أبو داود بعد أن ذكره: [وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث] وجابر الجعفي ضعيف لا يحتج به عند كثير من أهل الحديث. انظر عون المعبود ٣/٢٤٧ والتلخيص الحبير ٢/٤. وكلام أبو داود يشير إلى أن الحديث ضعيف. ولكن الشيخ الألباني صحح الحديث لشواهده. انظر السلسلة الصحيحة الجزء الأول حديث رقم ٣٢١. وقد ذكر العلامة ابن عثيمين أن المصلي إن عاد بعد أن استتم قائمًا فقد أتى مكروهًا ولم تبطل صلاته لأنه لم يفعل محرمًا. الشرح الممتع على زاد المستقنع ٣/٥١٢.
وأخيرًا أنبه على أن جماعة من العلماء كالحنفية والشافعية ذهبوا إلى إبطال صلاة من عاد من القيام إلى الجلوس ولكن قولهم مرجوح. ويضاف إلى ما سبق أن عددًا ليس قليلًا من أئمة المساجد والمصلين الذين يقعون في هذا السهو يجهلون الحكم الشرعي له وقد قال جمهور العلماء إن المصلي إذا عاد للتشهد الأوسط بعد أن استتم قائمًا ناسيًا أو جاهلًا فإن صلاته لا تبطل لما ورد في الحديث من قول النبي ﷺ: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. انظر الموسوعة الفقهية ٢٤/٢٤٥. وقال الحطاب الفقيه المالكي معلقًا على كلام الشيخ خليل: [ولا تبطل إن رجع ولو استقل يعني أن من فارق الأرض بيديه وركبتيه إذا قلنا إنه لا يرجع فرجع فلا تبطل صلاته وسواء رجع عمدًا أو سهوًا أو جهلًا] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ٢/٣٣٨.
وخلاصة الأمر أنه لا ينبغي إبطال صلاة المصلين ما دام يمكن حملها على الصحة. لأن إبطال صلاة المصلين ليس أمرًا هينًا.
6 / 112