113

Fatawa of Dr. Husam Afaneh

فتاوى د حسام عفانة

Noocyada

٣٧ - حكم تقدم المأموم على الإمام في الصلاة
يقول السائل: ما حكم صلاة المأموم متقدمًا على الإمام وما قولكم في قول من يقول بجواز ذلك دائمًا؟
الجواب: إن الأصل الذي قرره العلماء في الصلاة هو التلقي عن النبي ﷺ فالأصل فيها التوقيف أي أن الأصل أن لا نفعل شيئًا في باب العبادات ما لم يكن واردًا عن النبي ﷺ ويجب علينا أن نلتزم بذلك بلا زيادة ولا نقصان وقد بين لنا الرسول ﷺ كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها وعلَّم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم وقال ﷺ: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري
وقد علمنا النبي ﷺ أن الإمام يقف أمام المأمومين وليس العكس ومقتضى لفظ إمام أن يكون أمام المأمومين وعلى ذلك دل قول النبي ﷺ (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) رواه البخاري ومسلم
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) قال البيضاوي وغيره: الائتمام الإقتداء والإتباع أي جعل الإمام إمامًا ليقتدى به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال] فتح الباري ٢/٢٣١
وقد اتفق جماهير أهل العلم على أن الإمام يتقدم إذا كان المأمومون اثنين فأكثر وهذه هي السنة الثابتة عن النبي ﷺ قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام فإن وقفوا قدامه لم تصح، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ... ولنا قوله ﷺ (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ولأنه يحتاج في الإقتداء إلى الالتفات إلى ورائه، ولأن ذلك لم ينقل عن النبي ﷺ ولا هو في معنى المنقول فلم يصح كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام ويفارق من خلف الإمام فإنه لا يحتاج في الإقتداء إلى الالتفات إلى ورائه] المغني ٢/١٥٧ وهو قول الحنابلة أيضًا
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [والأصل في الإمام أن يكون متقدمًا على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد] فتح الباري ٢/٢١٦.
ومما يدل على ذلك أن المنقول عن النبي ﷺ أنه كان يقوم أمام أصحابه إذا صلى بهم ولم ينقل أن واحدًا من الصحابة تقدم على النبي ﷺ فقد جاء في حديث أنس بن مالك ﵁ أن جدته مليكة دعت رسول الله ﷺ لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال قوموا فلأصل لكم، قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله ﷺ وصففت واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا رسول الله ﷺ ركعتين ثم انصرف) رواه البخاري ومسلم. وروى الترمذي بإسناده عن سمرة بن جندب ﵁ قال: (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا) قال أبو عيسى - الترمذي - وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وأنس بن مالك قال أبو عيسى وحديث سمرة حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام] سنن الترمذي ١/٤٥٢-٤٥٣.
وعن أبي مسعود ﵁ قال كان رسول الله ﷺ يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) مسلم وغير ذلك من الأدلة فالأصل أن تقدم الإمام على جماعة المصلين واجب. قال الشيخ ابن حزم [... لأن فَرْضَ الإِمَامِ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ وَهُمْ وَرَاءَهُ ولا بد ...] المحلى ٣/١٣٩.
وأما من صلى أمام الإمام لغير عذر فلا تصح صلاته على الراجح من أقوال أهل العلم. والعذر مثل أن يكون هنالك زحام شديد كما يحدث في المسجد الحرام في موسم الحج أو ضاق الموضع الذي يصلون فيه فإن صلى أحد قدام الإمام صحت صلاته حينئذ وهذا القول رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال [أما صلاة المأموم قدام الإمام. ففيها ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: إنها تصح مطلقًا، وإن قيل إنها تكره، وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك، والقول القديم للشافعي. والثاني: إنها لا تصح مطلقًا، كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد في المشهور من مذهبهما. والثالث: إنها تصح مع العذر، دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام، فتكون صلاته قدام الإمام خيرًا له من تركه للصلاة. وهذا قول طائفة من العلماء، وهو قول في مذهب أحمد، وغيره. وهو أعدل الأقوال وأرجحها وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبًا من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر. وإن كانت واجبة في أصل الصلاة، فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط، ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام، والقراءة، واللباس، والطهارة، وغير ذلك.] الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ٢/٣٦٠.
وقال الشيخ ابن حزم [وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي أَمَامَ الإِمَامِ إلاَّ لِضَرُورَةِ حَبْسٍ فَقَطْ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ حَيْثُ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ: ... عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ، قَالَ جَابِرٌ: فَتَوَضَّأْتُ مِنْ مُتَوَضَّأِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَهَبَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِيُصَلِّيَ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ، عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي، عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ، عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ] فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الاِثْنَانِ فَصَاعِدًا خَلْفَ الإِمَامِ، وَلاَ بُدَّ ; وَيَكُونُ الْوَاحِدُ، عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، وَلاَ بُدَّ ; لأن دَفْعَ النَّبِيِّ ﷺ جَابِرًا وَجَبَّارًا إلَى مَا وَرَاءَهُ أَمْرٌ مِنْهُ ﵇ بِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَإِدَارَتَهُ جَابِرًا إلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ ; فَمَنْ صَلَّى بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ ﵇ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ ...] المحلى ٢/٣٨٦. وحديث جابر الذي استدل به الشيخ ابن حزم في صحيح مسلم.
وقال الإمام النووي [فصل في شروط الإقتداء وآدابه فأما الشروط فسبعة: أحدها أن لا يتقدم المأموم على الإمام في جهة القبلة فإن تقدم لم تنعقد صلاته على الجديد الأظهر ولو تقدم في خلالها بطلت] روضة الطالبين ١/٤٦٢.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية عن [تقدم الجماعة على الإمام فى المسجد النبوي أجائز على رأي الإمام مالك أم للضرورة؟ فأجابت: سنة محمد بن عبد الله ﵊ التي درج عليها من بعده خلفاؤه وأتباعه بإحسان رضوان الله عليهم أن يكون المأموم خلف الإمام في الحرم النبوي وغيره فلا يجوز العدول عنها، ومن صلى أمام الإمام فقد خالف هذه السنة، قال ابن قدامة ﵀ في المغني: السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام، فإن وقفوا قدامه لم تصح. أ. هـ. وهذا القول هو المفتى به، وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأن تقدم المأموم على الإمام لم ينقل عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه ﵃، ولأنه مخالفة ظاهرة للإمام الذي أمرنا بالائتمام به؛ لقول رسول الله ﷺ (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) متفق على صحته.]
وخلاصة الأمر أن المأموم يقف خلف الإمام فإن وقف قدام الإمام بطلت صلاته إلا من عذر كزحام شديد أو ضيق المكان.

6 / 37