Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Daabacaha
دار الفكر
إِلَّا قرينَة السِّيَاق وَالْمقَام، وقرينهة السِّيَاق أَمر شَائِع عِنْد الْعَرَب، وَقد صَحَّ الِاسْتِئْنَاف فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ وَلَا يُقَال يلْزم أنْ يكون الْإِخْبَار عَن الكَيْنويَّة لَا بِقَيْد كَونهَا ناشئة عَن قَول كُنْ مَعَ أَن المُرَاد ذَلِك، وَهَذَا وَجه إِشْكَال قَوْله أَيْضا: لِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْهِ الْأَمر بالإراحة لَا بِقَيْد الذّبْح، وَقَوله أَيْضا: وَهُوَ الْمَانِع أَيْضا لصِحَّة عطف قَوْله: (وليحد) على مَجْمُوع جملَة الشَّرْط وَالْجَزَاء. وَمِنْهَا: قَوْله: وَإِنَّمَا صَحَّ الِاسْتِئْنَاف فِي ﴿نُقِرَ﴾ وَفِي ﴿فَيَكُونُ﴾ لِأَن مَا قبلهمَا لَيْسَ شرطا فِي مفادهما إِلَخ، وَلم يَتَّضِح مَا أَرَادَ مَوْلَانَا بِكَوْن مَا قبلهمَا لَيْسَ شرطا فِي مُفادِهِما فإنْ أَرَادَ أَن لَا يكون مَضْمُونهما يتَوَقَّف تحَققه ووجوده على تحقق مَا قبلهمَا ووجوده، فَوجه إشكاله. أما أَولا. فَهُوَ أَن هَذَا الْحصْر مَمْنُوع، وَلَا بُد من إِثْبَات أَن عِلّة الِاسْتِئْنَاف فِيمَا ذكر دون غَيره حَتَّى يتَحَقَّق هُنَا الْحصْر، وَمن إِثْبَات أَنه يشْتَرط فِي الِاسْتِئْنَاف أَن يكون مَا قبل المستأنف لَيْسَ شرطا فِي مفاده، فَإِن النُّحَاة لم يشترطوا فِي جَوَاز الِاسْتِئْنَاف شَيْئا من ذَلِك، فَلَا يُقيِّد كَلَامهم إِلَّا بِدَلِيل مِنْهُ، بل جوّزوا حَتَّى الابتدائية والابتداء نَظِير الِاسْتِئْنَاف، بل هُوَ اسْتِئْنَاف مَعَ كَونهم اشترطوا فِي حَتَّى الْمَذْكُورَة أَن يكون مَا بعْدهَا متسببًا عَمَّا قبلهَا. وَأما ثَانِيًا فَهُوَ أَن مَضْمُون قَوْله تَعَالَى: ﴿فَيَكُونُ﴾ يتَوَقَّف تحقق وجوده على تحقق مَا قبله، ووجوده وَهُوَ قَوْله: ﴿كُنْ﴾ مَعَ صِحَة الِاسْتِئْنَاف. وَأما ثَالِثا فَلَا بُدَّ من بَيَان جَرَيَان ذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ فَإِن طلب التَّحْدِيد لَا يتَوَقَّف تحَققه على تحقق طلب الْإِحْسَان أَو يجوز أَن يطْلب التَّحْدِيد وَلَا يتَصَوَّر الْإِحْسَان وَطلب الشَّيْء فرع عَن تصَوره. وَمِنْهَا: قَوْله: وَعين الرِّضَا إِلَخ، يَدْفَعهُ أَن الله إِلَخ، وَوجه إشكاله أَن مَوْلَانَا حَمَل مُرَاد الْفَقِير على أَمر صَعب جدا، ومعاذ الله أَن الْفَقِير أَرَادَ ذَلِك بل أمرا آخر لَا مَحْذُور فِيهِ. وَمِنْهَا: قَوْله: وقولك إِن الإراحة أَعم من الْحَد مَمْنُوع، لِأَن هَذِه الرِّوَايَة إِلَخ، وَوجه إشكاله أَن وَجه أعميتها لَازم لدعوى الْعُمُوم وَالْخُصُوص الَّذِي قَرَّرَهُ مَوْلَانَا، وَلم يذكر خِلَافه، مَعَ أَن الْفَقِير لم يُحتِّم أعَمِّيتَهَا، بل ردد بِأَنَّهَا إِن كَانَت أَعم، لزم الْإِشْكَال وَإِلَّا لزم صِحَة الْفَاء بِجعْل فليرح عطفا على (وليحد) وَجعل وَاو وليحد للاستئناف، وَالْحكم بِصِحَّة الشَّيْء لَا يتَوَقَّف على الْجَزْم بوروده، بل وَلَا على وُرُوده فَيجوز أَن يُقَال تصح الْفَاء هُنَا مَعَ الْقطع بِعَدَمِ الْوُرُود فالورود لَا مدْخل لَهُ فِي الحكم بِالصِّحَّةِ. وَمِنْهَا: قَوْله: إِنَّمَا هُوَ أَمر أغلبي، وَقَوله، فَهِيَ وَارِدَة عَلَيْهِم، وَوجه إشكاله أَن هَذَا يتَوَقَّف على أَن النُّحَاة يسلمُونَ الْعُمُوم وَالْخُصُوص هُنَا، ويسلمون أَن وَاو (وليحد) للْعَطْف على أَن هَذَا لَا يضرنا بل ينفعنا لأنَّ مدَّعانا الصِّحَّة وَهَذَا إِن لم يثبتها مَا منعهَا وَالله أعلم. فَأجَاب نفعنا الله بِعُلُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة: أما قَوْلك، لَا تفصيلاتها بِمَعْنى أَن كل لَفْظَة من نسخ تِلْكَ الْكتب بخصوصها ثَبت بالتواتر أَنَّهَا لَفْظَة صَاحب ذَلِك الْكتاب بِعَينهَا، ومسألتنا من الثَّانِي إِلَخ، فَإِنَّمَا يتَوَجَّه لَو ادّعى أَن التفصيلات بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور متواترة وَلم يَقع هُنَا ادِّعَاء ذَلِك، بل وَلَا مَا يُوهِمهُ وَكَيف يتعقل ادِّعَاء ذَلِك، وَالنَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم ينْقل اخْتِلَاف نسخه كثيرا، وَإِن نسخ بِلَادهمْ فِي كَذَا يُخَالف نسخ غَيرهم ويُصَوِّب ويُوجِّه بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْكَلَام، وَكَذَا مَنْ قَبْل النَّوَوِيّ وَمن بعده، فَعدم تَوَاتر التفصيلات بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور أَمر ظَاهر لَا يخفى، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن بعض تِلْكَ التفصيلات لَا يُوجد فِيهِ التَّوَاتُر. وَالْحَاصِل أَن تَوَاتر الْجُمْلَة وَاقع، وَعدم تَوَاتر التفصيلات بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور غير وَاقع؛ وَبَعض تِلْكَ التفصيلات قد يُوجد فِيهَا التَّوَاتُر وَقد لَا، ومسألتنا إِنَّمَا هِيَ من هَذَا الثَّالِث لَا من الثَّانِي الَّذِي ذكرت، وَوجه كَونهَا مِنْهُ أننا بحثنا عَن الناقلين لهَذَا الْكتاب عَنهُ من الطَّبَقَة الَّتِي فِي زمن مُسلم إِلَى وقتنا فوجدناهم بِحَسب مَا فِي نسخهم متفقين على الْوَاو فحينئذٍ أثبتنا من هَذَا تَوَاتر الْوَاو، وَلَا يلْزم من ذَلِك بل وَلَا يتَوَهَّم أَن غير الْوَاو مِمَّا لم يُوجد فِيهِ ذَلِك مثلهَا. وَلَقَد وَقع للجمال بن مَالك فِي البُخَارِيّ أَنه جوز إعرابات فِيهَا تَغْيِير حركات ك (لَا ترجعون بعدِي كفَّارًا) يَضْربْ، بِسُكُون الْبَاء؛ وَتلك فِيهَا تكلّف تَارَة وَعدم تكلّف أُخْرَى؛ وَأَنَّهُمْ ردوا عَلَيْهِ بِأَن هَذَا خلاف الصَّوَاب لِأَن الرِّوَايَات صحت بِخِلَاف ذَلِك فَلَا يسمع ذَلِك التجويز، وَكَذَا نقُول: إِذا ثبتَتْ صِحَة الرِّوَايَة بِالْوَاو، فَلَا يسمع تَجْوِيز الْفَاء، هَذَا مَا يتَعَلَّق بِالْوَاو، وَأما غَيرهَا من بَقِيَّة تِلْكَ التفصيلات فإنْ وَجَد فِيهِ مَا وَجَدْنَاهُ فِيهَا حكمنَا بتواتره وَإِلَّا فَلَا، فاتضح حكم التفصيلات فِي التَّوَاتُر وَعَدَمه. وقولك: لِأَن دَعْوَاهُ الصِّحَّة منع أوردهُ إِلَخ تَأْوِيل كَمَا شهدتْ بِهِ الْعبارَة، والاعتراض إِنَّمَا يتَوَجَّه لظَاهِر الْعبارَة وَإِن أمكن تَأْوِيلهَا. وقولك: نعم يرد إِلَخ هُوَ الَّذِي أشرتُ إِلَيْهِ بِقَوْلِي دَعْوتان
1 / 73