148

Fatawa Hadithiyya

الفتاوى الحديثية

Daabacaha

دار الفكر

مَوْجُود لَا مُطلقًا بل مَعَ مُلَاحظَة وجوب اتصاف وجوده بِأَنَّهُ وَاجِب لذاته أَي لَا مَوْجُود وجودُه واجبٌ لذاته إِلَّا الله وَهَذَا لَا يرد عَلَيْهِ شَيْء، وبفرض الْغَفْلَة عَن هَذَا والاقتصار على تَقْدِير مَوْجُود فَقَط يُمكن تَوْجِيهه بِأَن يُقَال: إِن الْمُمكن يُسمى مَوْجُودا بِالْقُوَّةِ فَإِذا قُدِّر مَوْجُودا انْتَفَى وجود الألوهية بِسَائِر اعتباراته عَن غير الله تَعَالَى وإثباته بِسَائِر اعتباراته لله تَعَالَى، وحينئذٍ فتقديره لَا يُنَافِي التَّوْحِيد الْكَامِل بل يُثبتهُ كَمَا هُوَ جليّ وَالله أعلم. فَإِن قلت: يلْزم على ذَلِك الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز للوجود؟ قلت: لَا مَحْذُور فِيهِ. فَإِن قلت: هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب إِنَّمَا يَأْتِي على من يَقُول بِوُجُوب التَّوْحِيد بِالْعقلِ وَأكْثر الْعلمَاء على خِلَافه. قلت: هُوَ مَمْنُوع بل يَأْتِي على مَنْ يُوجبه بِالشَّرْعِ أَيْضا فَتَأَمّله، وَالله ﷾ أعلم.
٢١٨ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن شخص قَالَ: لَيْسَ الْقُرْآن الْمَوْجُود فِي مصاحف الْمُسلمين كَلَام الله، وَلَيْسَت الْأَلْفَاظ الْمَوْجُودَة فِيهَا هِيَ الَّتِي جَاءَ بهَا جِبْرِيل ﵇ عَن الله، وَإِنَّمَا هَذِه الْأَلْفَاظ أَلْفَاظ النَّبِي ﷺ، وَإِنَّمَا كَلَام الله تَعَالَى الْأَحَادِيث القدسية فَقَط، فَمَا حكم الله فِي هَذَا الْقَائِل؟ أفتونا مَأْجُورِينَ وبينوا الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بَيَانا شافيًا مَعَ مَا تيَسّر من أدلتها وأقوال الْعلمَاء فِيهَا، أثابكم الله الْجنَّة؟ فَأجَاب بقوله: قد اشْتَمَل هَذَا الْكَلَام على أَمريْن فاسدين: أَولهمَا: نَفْيه كَلَام الله عَن أَلْفَاظ الْقُرْآن وَلَيْسَ كَمَا زعم، إذْ التَّحْقِيق عِنْد أَئِمَّة الْأُصُول أَن كَلَام الله تَعَالَى اسْم مُشْتَرك بَين الْكَلَام النَّفْسِيّ الْقَدِيم، وَمعنى إِضَافَة الْكَلَام لَهُ تَعَالَى على هَذَا كَونه صفة لَهُ وَبَين اللَّفْظ المؤلَّف الْحَادِث من السُّور والآيات أَي سَوَاء قُلْنَا إِن ذَلِك اللَّفْظ الْمُؤلف هُوَ لفظ جِبْرِيل أَو لفظ النَّبِي ﷺ كَمَا صرح بِهِ فِي (شرح الْمَقَاصِد)؛ وَمعنى إِضَافَة الْكَلَام إِلَى الله على هَذَا أَنه مَخْلُوق لَهُ لَيْسَ من تأليف المخلوقين، وَقد أجمع أهل السّنة وَغَيرهم على أَنه لَا يَصح نفي كَلَام الله تَعَالَى عَن ذَلِك اللَّفْظ الْمُؤلف كَيفَ والإعجاز والتحدي الْمُشْتَمل هُوَ عَلَيْهِمَا إِنَّمَا يكونَانِ فِي كَلَام الله دون كَلَام غَيره، فنفى ذَلِك الْقَائِل عَنهُ كَلَام الله جهل قَبِيح، وَخطأ صَرِيح، فليؤدَّب على ذَلِك إنْ لم يرجع، وَمَا وَقع فِي كَلَام بَعضهم: أَن تَسْمِيَة هَذَا النّظم كَلَام الله مجَاز مؤول، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه غير مَوْضُوع للنظم الْمُؤلف بل إنَّ الْكَلَام فِي التَّحْقِيق وبالذات اسْم للمعنى الْقَدِيم الْقَائِم بِالنَّفسِ، وَتَسْمِيَة اللَّفْظ بِهِ وَوَضعه لذَلِك اللَّفْظ وضعا اشتراكيًا إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار دلَالَته على الْمَعْنى الْقَدِيم فَلَا نزاع لَهُم فِي الْوَضع وَالتَّسْمِيَة. ثَانِيهمَا: فرقه بَين أَلْفَاظ الْقُرْآن وألفاظ الْأَحَادِيث القدسية وَهُوَ تحكم صرف يَنْبَنِي على عدم تَحْصِيله وَفَسَاد تصَوره إِذْ لَا فرق بَينهمَا كَمَا سيتضح من بسط مَا للْعُلَمَاء فِي ذَلِك.
وَحَاصِله: أَن بعض آي الْقُرْآن وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البروج: ٢١، ٢٢] ظَاهر فِي أَن أَلْفَاظ الْقُرْآن مرقومة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَبَعضهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأٌّمِينُ﴾ [الشُّعَرَاء: ١٩٣، ١٩٤] ظَاهر فِي أَن اللَّفْظ مِنْهُ ﷺ إذْ المُنزل على الْقلب هُوَ الْمَعْنى دون اللَّفْظ، وَبَعضهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة: ٤٠] ظَاهر فِي أَنه لفظ الْملك، فلأجل ذَلِك اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أَقْوَال متكافئة ببادىء الرَّأْي. ومِنْ ثُمَّ حَكَاهَا الْمُحَقق السعد فِي شرح مقاصده وَلم يرجح مِنْهَا شَيْئا حَيْثُ قَالَ: المرضي عندنَا أَن لَهُ أَي ذَلِك اللَّفْظ الْمُؤلف اختصاصًا آخر بِاللَّه تَعَالَى، وَهُوَ أَنه اخترعه بأنْ أوْجد أوّلًا الْإِشْكَال فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ لقَوْله تَعَالَى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١ ٢٢] والأصوات فِي لِسَان الْملك لقَوْله تَعَالَى:﴾ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة: ٤٠] أَو لِسَان النَّبِي ﷺ لقَوْله تَعَالَى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأٌّمِينُ﴾ [الشُّعَرَاء: ١٩٣] ﴿نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك﴾ والمنزل على الْقلب هُوَ الْمَعْنى دون اللَّفْظ انْتهى. وَكَذَلِكَ تردّد الْأَصْفَهَانِي فَقَالَ: اتّفق أهل السّنة وَالْجَمَاعَة على أَن كَلَام الله منزل، وَاخْتلفُوا فِي معنى الْإِنْزَال؟ فَمنهمْ من قَالَ: إِظْهَار الْقُرْآن، وَمِنْهُم من قَالَ: ألهمه جِبْرِيل ثمَّ أَدَّاهُ لرَسُول الله ﷺ. وَفِي التَّنْزِيل طَرِيقَانِ: أَحدهمَا أَنه ﷺ انخلع عَن صُورَة البشرية إِلَى صُورَة الملكية وَأَخذه عَن جِبْرِيل. وَالثَّانِي: أَن الْملك انخلع إِلَى صُورَة البشرية حَتَّى يَأْخُذ عَنهُ الرَّسُول؛ وَالْأول أصعب الْحَالين انْتهى.
وَالَّذِي يتَعَيَّن تَرْجِيحه بِحَسب الْأَدِلَّة أَن الْمنزل عَلَيْهِ ﷺ اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وَأَن ذَلِك اللَّفْظ لَيْسَ من اختراع جِبْرِيل وَإِنَّمَا أَخذه بالتلقي الروحاني أَو من اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَمِمَّنْ جرى على ذَلِك الإِمَام الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [الْقدر: ١] يُرِيد وَالله أعلم إِنَّا أسمعناه الْملك وأفهمناه إِيَّاه وأنزلناه كَمَا سمع فَيكون الْملك مُسْتقِلّا بِهِ من علو إِلَى سفل. وَالْإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ

1 / 149