بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد،
فقد رغب بعض الإخوة -جزاهم الله خيرًا- في طبع بعض المسائل المتعلقة بأركان الإسلام من فتاوى شيخنا العلامة، الشيخ محمد بن صالح العثيمين -حفظه الله تعالى- لنشرها باللغة العربية ومن ثم ترجمتها بعدة لغات ليعم نفعها، لما تتميز به من الاعتماد على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ، وأقوال أهل العلم المشهود لهم بالتحقيق، فعرضت الأمر على شيخنا -حفظه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء- فرحب بذلك وشجع عليه؛ لما فيه من التعاون على البر والتقوى، ونشر العلم الشرعي.
وبعد موافقة فضيلته وتوجيهه، شرعت في جمع هذه الفتاوى وانتقائها من مجموع الفتاوى حتى اكتمل عقدها.
1 / 5
أسأل الله ﷿ بمنه وكرمه، أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجزي فضيلة شيخنا خير الجزاء، وأن يبارك في علمه وعمله وعمره، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
بقلم
فهد بن ناصر السليمان
1 / 6
فتاوى العقيدة
1 / 7
س١: ما تعريف التوحيد وأنواعه؟
الجواب: التوحيد لغة: «مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحدًا» وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له، فمثلًا نقول: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله ﷿ ويثبتها لله وحده، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلًا «فلان قائم» فهنا أثبت له القيام لكنك لم توحده به، لأنه من الجائز أن يشاركه غيره في هذا القيام، ولو قلت «لا قائم» فقد نفيت نفيًا محضًا ولم تثبت القيام لأحد، فإذا قلت: «لا قائم إلا زيد» فحينئذٍ تكون وحدت زيدًا بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي أن التوحيد لا يكون توحيدًا حتى يتضمن نفيًا وإثباتًا.
وأنواع التوحيد بالنسبة لله-﷿ تدخل كلها في تعريف عام وهو «إفراد الله ﷾ بما يختص به» .
وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة:
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الألوهية.
الثالث: توحيد الأسماء والصفات.
وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء، والنظر في الآيات والأحاديث، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع:
1 / 9
الأول: توحيد الربوبية: وهو «إفراد الله ﷾ بالخلق، والملك، والتدبير» وتفصيل ذلك
أولًا: بالنسبة لإفراد الله -تعالى- بالخلق: فالله تعالى وحده هو الخالق لا خالق سواه، قال الله تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (فاطر: ٣) وقال تعالى مبينًا بطلان آلهة الكفار: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) . (النحل: ١٧) . فالله تعالى وحده هو الخالق خلق كل شيء فقدره تقديرًا، وخلقه يشمل ما يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضًا، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقًا لأفعال العباد كما قال الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . (الصافات الآية: ٩٦ا) . ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته، والعبد مخلوق لله، وخالق الشيء خالق لصفاته، ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله ﷿ وخالق السبب التام خالق للمسبب.
فإن قيل: كيف نجمع بين إفراد الله ﷿ بالخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: الآية١٤) وقول النبي ﷺ في المصورين: «يقال لهم: أحيوا ما خلقتم» (١)؟
فالجواب على ذلك: أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله فلا
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء (٢١٠٥) ومسلم: كتاب اللباس، باب تحريم تصوير الحيوان (٢١٠٦) (٩٦) .
1 / 10
يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة أخرى وهو مخلوق لله ﷿ فالمصور مثلًا، إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئًا، غاية ما هنالك أنه حول شيئًا إلى شيء، كما يحول الطين إلى صورة طير، أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد من خلق الله ﷿ والورقة البيضاء من خلق الله ﷿ هذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله-﷿ وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق. وعلى هذا يكون الله ﷾ منفردًا بالخلق الذي يختص به.
ثانيًا: إفراد الله -تعالى- بالملك فالله تعالى وحده هو المالك كما قال الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (سورة الملك، الآية: ١) وقال تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَار عَليهِ) (سورة المؤمنون الآية: ٨٨) فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله ﷾ وحده، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله ﷿ لغيره الملك كما في قوله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) (النور: من الآية٦١) وقوله: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم) (المؤمنون: من الآية٦) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكًا، لكن هذا الملك ليس كملك الله ﷿ فهو ملك قاصر، وملك مقيد، ملك قاصر لا يشمل، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد، ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يتصرف الإنسان فيما بملك إلا على الوجه الذي أذن
1 / 11
الله فيه، ولهذا نهى النبي ﷺ عن إضاعة المال، وقال الله ﵎: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) (سورة النساء، الآية: ٥) وهذا دليل على أن ملك الإنسان قاصر وملك مقيد، بخلاف ملك الله ﷾ فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله ﷾ ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ثالثًا: التدبير، فالله ﷿ منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق ويدبر السماوات والأرض كما قال الله ﷾: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (سورة الأعراف، الآية: ٥٤) وهذا التدبير شامل لا يحول دونه شيء ولا يعارضه شيء. والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق، فظهر بذلك صدق صحة قولنا إن توحيد الربوبية هو «إفراد الله بالخلق، والملك، والتدبير» .
النوع الثاني: توحيد الألوهية، وهو «إفراد الله ﷾ بالعبادة» بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحدًا يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله -تعالى- ويتقرب إليه، وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي ﷺ، واستباح دماءهم، وأموالهم، وأرضهم، وديارهم، وسبى نساءهم وذريتهم، وهو الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي الربوبية، والأسماء والصفات، لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد -وهو توحيد الألوهية- بحيث
1 / 12
لا يصرف الإنسان شيئًا من العبادة لغير الله ﷾ لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا لأي أحد من المخلوقين، لأن العبادة لا تصح إلا لله ﷿ ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر، وإن أقر بتوحيد الربوبية، وبتوحيد الأسماء والصفات. فلو أن رجلًا من الناس يؤمن بأن الله ﷾ هو الخالق، المالك، المدبر لجميع الأمور، وأنه ﷾ المستحق لما يستحقه من الأسماء والصفات لكن يعبد مع الله غيره لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات. فلو فرض أن رجلًا يقر إقرارًا كاملًا بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه، أو ينذر له قربانًا يتقرب به هل إليه فإن هذا مشرك كافر خالد في النار، قال الله ﵎: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: الآية٧٢) ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله ﷿ أن المشركين الذين قاتلهم النبي ﷺ، واستحل دماءهم، وأموالهم، وسبى نساءهم وذريتهم، وغنم أرضهم كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق لا يشكون في ذلك، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال.
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو «إفراد الله ﷾ بما سمى الله به نفسه، ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل» . فلا بد من الإيمان بما
1 / 13
سمى الله به نفسه ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف، ولا تمثيل، وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون للإسلام على أوجه شتى:
منهم من غلا في النفي والتنزيه غلوًا يخرج به من الإسلام، ومنهم متوسط، ومنهم قريب من أهل السنة. ولكن طريقة السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، لا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
مثال ذلك: أن الله ﷾ سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بأن الحي اسم من أسماء الله تعالى ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء. وسمى الله نفسه بالسميع فعلينا أن نؤمن بالسميع اسمًا من أسماء الله ﷾ وبالسمع صفة من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعًا بلا سمع، أو سمعًا بلا إدراك مسموع هذا شيء محال وعلى هذا فقس.
مثال آخر: قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة: الآية٦٤) . فهنا قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (المائدة: الآية٦٤) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط، وهو العطاء الواسع، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم، ولكن
1 / 14
يجب علينا أن لا نحاول بقلوبنا تصورًا، ولا بألسنتنا نطقًا أن نكيف تلك اليدين، ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين، لأن الله ﷾ يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: الآية١١) ويقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف: ٣٣) . ويقول ﷿: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) (الإسراء: ٣٦) . فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌُ) . (الشورى: الآية١١) وقد عصى الله تعالى في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل: الآية٧٤) ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أيًا كانت هذه الكيفية، فقد قال على الله ما لا يعلم، وقفى ما ليس له به علم.
ونضرب مثالًا ثانيًا في الصفات: وهو استواء الله على عرشه فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه كلها بلفظ (استوى) وبلفظ (على العرش) وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . (طه: ٥) . وأمثالها من الآيات. أنه علا على عرشه علوًا خاصًا، غير العلو العام على جميع الأكوان، وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة، فهو عالٍ على عرشه علوًا يليق به ﷿ لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على
1 / 15
الأنعام، ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) (الزخرف: من الآية١٢) . (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف: ١٣) . (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) . (الزخرف: ١٤) . فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه؛ لأن الله ليس كمثله شيء.
وقد أخطأ خطأ عظيمًا من قال إن معنى استوى على العرش استولى على العرش، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعون لهم بإحسان، ومستلزم للوازم باطلة لا يمكن لمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة لله ﷿ والقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك كما قال الله ﷾: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: ٣) ومقتضى صيغة «استوى على كذا» في اللغة العربية العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ. فمعنى استوى على العرش أي: علا عليه علوًا خاصًا يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسر الاستواء بالاستيلاء فقد حرف الكلم عن مواضعه، حيث نفى المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو وأثبت معنى آخر باطلًا.
ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه.
1 / 16
فإن قال قائل: هل ورد لفظ صريح عن السلف بأنهم فسروا استوى بـ (علا)؟
قلنا: نعم ورد ذلك عن السلف، وعلى فرض أن لا يكون ورد عنهم صريحًا فإن الأصل فيما دل عليه اللفظ في القرآن الكريم والسنة النبوية أنه باقٍ على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى، فيكون إثبات السلف له على هذا المعنى.
أما اللوازم الباطلة التي تلزم من فسر الاستواء بالاستيلاء فهي:
أولًا: أن العرش قبل خلق السماوات والأرض ليس ملكًا لله -تعالى- لأن الله -تعالى- قال: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش) (لأعراف: الآية٥٤) . وعلى هذا فلا يكون الله مستوليًا على العرش قبل خلق السماوات ولا حين خلق السماوات والأرض.
ثانيًا: أنه يصح التعبير بقولنا إن الله استوى على الأرض، واستوى على أي شيء من مخلوقاته، وهذا بلا شك ولا ريب معنى باطل لا يليق بالله ﷿.
ثالثًا: أنه تحريف للكلم عن مواضعه.
رابعًا: أنه مخالف لإجماع السلف الصالح -رضوان الله عليهم-.
وخلاصة الكلام في هذا النوع -توحيد الأسماء والصفات- أنه يجب علينا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات على وجه الحقيقة من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
1 / 17
س٢: ما شرك المشركين الذين بعث فيهم النبي، ﷺ؟
الجواب: بالنسبة لشرك المشركين الذين بعث فيهم النبي، ﷺ، فإنه ليس شركًا في الربوبية، لأن القرآن الكريم يدل على أنهم إنما كانوا يشركون في العبادة فقط.
أما في الربوبية فيؤمنون بأن الله وحده هو الرب، وأنه مجيب دعوة المضطرين، وأنه هو الذي يكشف السوء إلى غير ذلك مما ذكر الله عنهم من إقرارهم بربوبية الله ﷿ وحده.
ولكنهم كانوا مشركين بالعبادة يعبدون غير الله معه، وهذا شرك مخرج عن الملة، لأن التوحيد هو عبارة -حسب دلالة اللفظ- عن جعل الشيء واحدًا، والله ﵎ له حقوق يجب أن يفرد بها وهذه الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
١- حقوق ملك.
٢- حقوق عبادة.
٣- حقوق أسماء وصفات.
ولهذا قسم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة.
فالمشركون إنما أشركوا في هذا القسم، قسم العبادة حيث كانوا يعبدون مع الله غيره، وقد قال الله ﵎: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) (النساء: الآية٣٦) . أي في عبادته.
وقال -تعالى-) إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
1 / 18
وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: الآية٧٢) .
وقال _تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: الآية٤٨) .
وقال -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: ٦٠) .
وقال تعالى في سورة الإخلاص: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (١) (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) (٢) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) (: ٣) (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) (٤) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) (٣) (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) (سورة الكافرون: ١، ٦) .
وقولي في سورة الإخلاص يعني إخلاص العمل فهي سورة إخلاص العمل، وإن كانت تسمى سورة الكافرون، لكنها في الحقيقة سورة إخلاص عملي كما أن سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الاخلاص: ١) سورة إخلاص علمي وعقيدة. والله الموفق.
***
س٣: ما أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة وغيرها من أمور الدين؟
الجواب: قاعدة أهل السنة والجماعة في العقائد وغيرها من أمور الدين، هو التمسك التام بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وما عليه الخلفاء الراشدون من هدي وسنة، ولقول الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: الآية٣١) . لقوله -تعالى-: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا
1 / 19
أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (النساء: ٨٠) ولقول الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: الآية٧) وهذا وإن كان في قسمة الغنائم فهو في الأمور الشرعية من باب أولى، ولأن النبي ﷺ، كان يخطب الناس يوم الجمعة، فيقول: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) (١) .
ولقوله ﷺ: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) (٢) .
والنصوص في هذا كثيرة، فطريق أهل السنة والجماعة ومنهاجهم هو التمسك بالتام بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ومن ذلك أنهم يقيمون الدين ولا يتفرقون فيه امتثالًا لقول الله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) . (الشورى: الآية١٣) . وهم وإن حصل بينهم من الخلاف ما يحصل مما للاجتهاد فيه مساغ، فإن هذا الخلاف لا يؤدي إلى اختلاف قلوبهم بل تجدهم متآلفين متحابين، وإن حصل منهم هذا الاختلاف الذي طريقه الاجتهاد.
***
_________
(١) أخرجه، مسلم كتاب الجمعة، باب تخفي الصلاة والخطبة (٨٦٧) (٤٣) .
(٢) أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة (٤٦٠٧)
1 / 20
س٤: من هم أهل السنة والجماعة؟
الجواب: أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها، ولم يلتفتوا إلى سواها، لا في الأمور العلمية العقدية، ولا في الأمور العملية الحكمية، ولهذا سموا أهل السنة، لأنهم متمسكون بها، وسموا أهل الجماعة، لأنهم مجتمعون عليها.
وإذا تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة.
***
س٥: أخبر النبي، ﷺ، عن افتراق أمته بعد وفاته، نأمل من فضيلتكم بيان ذلك؟
الجواب: أخبر النبي، ﷺ، فيما صح عنه (١) أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهذه الفرق كلها في النار إلا واحدة، وهي ما كان على مثل ما كان عليه النبي، ﷺ، وأصحابه، وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية التي نجت في الدنيا من البدع، وتنجو في الآخرة من النار، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي لا تزال ظاهرة قائمة بأمر الله ﷿.
_________
(١) أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة (٤٥٩٦)، والترمذي، كتاب الإيمان باب افتراق هذه الأمة (٢٦٤٢)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمة (٣٩٩١) .
1 / 21
وهذه الفرق الثلاث والسبعون التي واحدة منها على الحق والباقي على الباطل، قد حاول بعض الناس أن يعددها، وشعب أهل البدع إلى خمس شعب، وجعل من كل شعبة فروعًا ليصلوا إلى هذا العدد الذي عينه النبي، ﷺ، ورأى بعض الناس أن الأولى الكف عن التعداد، لأن هذه الفرق ليست وحدها هي التي ضلت بل قد ضل أناس ضلالًا أكثر مما كانت عليه من قبل، وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين وسبعين فرقة، وقالوا إن هذا العدد لا ينتهي ولا يمكن العلم بانتهائه إلا في آخر الزمان عند قيام الساعة، فالأولى أن نجمل ما أجمله النبي، ﷺ، ونقول إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ثم نقول: كل من خالف ما كان عليه النبي، ﷺ وأصحابه فهو داخل في هذه الفرق، وقد يكون الرسول ﷺ أشار إلى أصول لم نعلم منها الآن إلا ما يبلغ العشرة، وقد يكون أشار إلى أصول تتضمن فروعًا كما ذهب إليه بعض الناس فالعلم عند الله ﷿.
***
س٦: ما أبرز خصائص الفرقة الناجية: وهل النقص من هذه الخصائص يخرج الإنسان من الفرقة الناجية؟
الجواب: أبرز الخصائص للفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي ﷺ، في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والمعاملة، هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها:
ففي العقيدة تجدها متمسكة بما دل عليه كتاب الله، وسنة
1 / 22
رسوله ﷺ، من التوحيد الخالص في ألوهية الله، وربوبيته، وأسمائه وصفاته.
وفي العبادات تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان عليه النبي ﷺ، في العبادات في أجناسها، وصفاتها، وأقدارها، وأزمنتها، وأمكنتها، وأسبابها، فلا تجد عندهم ابتداعًا في دين الله، بل هم متأدبون غاية الأدب مع الله ورسوله، لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله.
وفي الأخلاق تجدهم كذلك متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق كمحبة الخير للمسلمين، وانشراح الصدر، وطلاقة الوجه، وحسن المنطق والكرم، والشجاعة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها.
وفي المعاملات تجدهم يعاملون الناس بالصدق، والبيان اللذين أشار إليهما النبي ﷺ في قوله: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» (١) .
والنقص من هذه الخصائص لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية، لكن لكل درجات مما عملوا، والنقص في جانب التوحيد ربما يخرجه عن الفرقة الناجية مثل الإخلال بالإخلاص، وكذلك في البدع ربما يأتي ببدع تخرجه عن كونه من الفرقة الناجية.
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا (٢٠٧٩)، ومسلم، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان (١٥٣٢) .
1 / 23
أما في مسألة الأخلاق والمعاملات فلا يخرج الإخلال بهما من هذه الفرقة وإن كان ذلك ينقص مرتبته.
وقد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق فإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة، والاتفاق على الحق الذي أوصانا به الله -تعالى- في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: الآية١٣) وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا أن محمدًا ﷺ برئ منهم، فقال الله ﷿: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (الأنعام: الآية١٥٩) .
فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية -أهل السنة والجماعة- فهم إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن الاجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقدًا، ولا عداوة، ولا بغضاء، بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، حتى أن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء، ويرى الإمام أنه على وضوء، مثل أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل، وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء، والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه، فهم يرون أن
1 / 24
أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعًا للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم؛ لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان، فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشى على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور، حتى في عهد النبي ﷺ، ولم يعنف أحدًا منهم، فإنه ﵊ لما رجع من غزوة الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد فندب النبي ﷺ أصحابه فقال: «لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة» (١) فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت، لأن النبي ﷺ قال: «لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة» .
ومهم من صلى الصلاة في وقتها، وقال إن الرسول ﷺ أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها -وهؤلاء هم المصيبون- ولكن مع ذلك لم يعنف النبي ﷺ أحدًا من الطائفتين، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة، أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص، لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وأن لا يحصل بينهم تحزب، هذا ينتمي إلى طائفة، والآخر إلى طائفة أخرى، والثالث إلى طائفة ثالثة، وهكذا، بحيث يتناحرون فيما
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب (٩٤٦)، وأخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو (١٧٧٠) .
1 / 25