@ ذَلِك الْخلاف فِي حق هَؤُلَاءِ المتبحرين الَّذين عَم نظرهم الْأَبْوَاب كلهَا فَإِنَّهُ لَا يخفى على أحدهم إِذا أكمل فِي بَاب مَالا يتَعَلَّق مِنْهُ بِغَيْرِهِ من الْأَبْوَاب الَّتِي لم يكمل فِيهَا لعُمُوم نظره وجولانه فِي الْأَبْوَاب كلهَا إِذا عرفت هَذَا ففتوى المستفتين فِي هَذِه الْحَالة فِي حكم فَتْوَى الْمُجْتَهد المستقل الْمُطلق يعْمل بهَا ويعتد بهَا فِي الْإِجْمَاع وَالْخلاف وَالله أعلم
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يكون فِي مَذْهَب إِمَامه مُجْتَهدا مُفِيدا فيستقل بتقرير مذاهبه بِالدَّلِيلِ غير أَنه لَا يتَجَاوَز فِي أدلته أصُول إِمَامه وقواعده وَمن شَأْنه أَن يكون عَالما بالفقه خَبِيرا بأصول الْفِقْه عَارِفًا بأدلة الْأَحْكَام تَفْصِيلًا بَصيرًا بمسالك الأقيسة والمعاني تَامّ الارتياض فِي التَّخْرِيج والإستنباط قيمًا بإلحاق مَا لَيْسَ بمنصوص عَلَيْهِ فِي مَذْهَب إِمَامه بأصول مذْهبه وقواعده وَلَا يعرى عَن شوب من التَّقْلِيد لَهُ لإخلاله بِبَعْض الْعُلُوم والأدوات الْمُعْتَبرَة فِي المستقل مثل أَن يخل بِعلم الحَدِيث أَو بِعلم اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَكَثِيرًا مَا وَقع الْإِخْلَال بِهَذَيْنِ العلمين فِي أهل الِاجْتِهَاد الْمُقَيد ويتخذ أصُول نُصُوص إِمَامه أصولا يستنبط مِنْهَا نَحْو مَا يَفْعَله المستقل بنصوص الشَّارِع وَرُبمَا مريه الحكم وَقد ذكره إِمَامه بدليله فيكتفي بذلك وَلَا يبْحَث هَل لذَلِك الدَّلِيل من معَارض وَلَا يَسْتَوْفِي النّظر فِي شُرُوطه كَمَا يَفْعَله المستقل وَهَذِه صفة أَصْحَاب الْوُجُوه والطرق فِي الْمَذْهَب وعَلى هَذِه الصّفة كَانَ أَئِمَّة أَصْحَابنَا أَو أَكْثَرهم وَمن كَانَ هَذَا شَأْنه فالعامل بفتياه مقلد لإمامة لاله معوله على صِحَة إِضَافَة مَا يَقُوله إِلَى إِمَامه لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إِلَى الشَّارِع وَالله أعلم
تَنْبِيهَات
الأول الَّذِي رَأَيْته من كَلَام الْأَئِمَّة يشْعر بِأَن من كَانَت هَذِه حَالَته فَفرض الْكِفَايَة لَا يتأد بِهِ وَوَجهه أَن مَا فِيهِ من التَّقْلِيد نقص وخلل فِي الْمَقْصُود
وَأَقُول يظْهر أَنه يتَأَدَّى بِهِ فرض الْكِفَايَة فِي الْفَتْوَى وَإِن لم يتأد بِهِ فرض الْكِفَايَة فِي إحْيَاء الْعُلُوم الَّتِي مِنْهَا استمداد الْفَتْوَى لِأَنَّهُ قد قَامَ فِي فتواه مقَام إِمَام
1 / 32