والرسول رجل من المولعين بالحق أنصار العلويين - أيد الله ملكهم - وأنا يا سيدي خادم مطيع لكم أبذل نفسي في سبيل الحق ولا غرض لي غير ذلك، والسلام ا.ه.
ولم يبلغ جوهر إلى آخر الكتاب حتى استولت الدهشة على لمياء وأصابها شبه الدوار من الحيرة؛ لاستغرابها ما تسمعه عن سالم. وانكشفت لها مكيدته وتحققت أنه كان يخادعها؛ فأحست من تلك اللحظة بكرهه وتحول حبها الشديد إلى كره شديد وأصبحت لا تصبر عن الانتقام لنفسها منه ... وأطرقت كأنها أصيبت بجمود وشعرت كأن الدم جمد في عروقها واصطكت ركبتاها وتولتها الرعدة. وقد خجلت مما تلي عليها من دخولها في تلك المكيدة. وكيف أن يهوديا يبعث بخبرها من مصر غيرة على الخليفة، وهي في قصر المعز وقد اطلعت على المكيدة منذ شهر ولم تخبره بها، لكنها التمست لنفسها عذرا أنها دافعت حتى انتهت المسألة على هذه الصورة.
مرت هذه الخواطر على ذهنها في لحظة سمعت في أثنائها الخليفة يقول: «أين صديقنا صاحب سجلماسة.»
فلما سمعت لمياء نداءه تحققت أنه أراد أن يسأله عن المكيدة وخافت وقوعه في الأذى لكنها سكتت لترى ما يكون. فأجاب أحد الغلمان: «إن الأمير حمدون نائم منذ نهض عن المائدة.»
فقال وقد بان الغضب في وجهه: «أيقظوه.» ثم التفت إلى القائد جوهر وقال: «وأبو حامد؟ أليس هو ذلك الرجل الذي قدمه لنا حمدون؟ أحب أن أرى الأمير حمدون لأسأله عن تلك المكيدة وإن كنت لا أصدق دخوله فيها ولكنه سيفصح عن التفاصيل ونرى ما يكون ... أين هو؟ أيقظوه.»
الفصل الأربعون
حمدون
وإذا بغلمان حمدون يتراكضون وقد أخذتهم البغتة وتقدم أحدهم إلى المعز وقال وهو يغص بريقه : «لم يستيقظ يا سيدي.» وأخذ في البكاء؛ فلما سمعت لمياء بكاءه أسرعت إلى حيث رقد أبوها، فوجدته مستلقيا على مقعد هناك وقد تغير لونه، فازرقت بشرته وغارت عيناه وبانت أدلة الموت في وجهه فصاحت: «وا ولداه! ماذا جرى لك؟» وجعلت تجس يديه ووجهه فإذا هو ميت لا حراك به. فأخذت تناديه وسمع الخليفة بكاءها فأسرع ومعه القائد جوهر فلما رأيا حمدون تحققا موته وعجبا لما أصابه فأمر المعز أن يؤتى بالطبيب حالا فأتى. وحالما وقع نظره عليه صاح: «مات الأمير مسموما. ماذا شرب؟»
فقال المعز أكلنا معا من طعام واحد إلا شرابا صبه الغلام لنا جميعا فشربه هو ولم نشربه نحن ولا تزال أقداحه مملوءة على المائدة ... ومشى الخليفة إلى غرفة المائدة ودل الطبيب على الأقداح فتناول الطبيب قدحا منها وتأمل السائل الذي فيه قليلا وشمه ثم استخرج من جيبه مسحوقا وضع شيئا منه في ذلك الشراب وجعل يتفرس بما يحدث فيه والجميع وقوف ينظرون. فلم تمض برهة حتى تحول ما في القدح إلى راسب أصفر وتغير لون الماء فصاح: «إن هذا الشراب سام ... من صنعه؟»
فأمر المعز بالقبض على الطاهي الذي تولى تلك الوليمة، فلم يقفوا على خبره وأطرق المعز في أثناء ذلك وأعمل فكرته في ما رآه من الغرائب في ذلك المساء؛ فاتضح له سلامة نية حمدون؛ لأنه لو اشترك بالمكيدة وعلم أن الشراب مسموم لما تناوله.
Bog aan la aqoon