فأجفلوا والتفتوا إليه وقالوا: «ومن أنت؟»
فتقدم خطوة أخرى حتى صار بينهم وقال: «اتركوه أنا أعرفه.»
فلما دنا منهم عرفوه من صوته فتلملموا وتأدبوا وتراجعوا وتقدم رئيسهم وتفرس في وجه الحسين وهو ملثم فلم يعرفه وإن كان قد عرف صوته. فلما رآه الحسين يتفرس فيه أزاح اللثام عن وجهه وقال: «اتركوه.»
فصاحوا جميعا: «مولانا الحسين بن القائد جوهر! أنت هنا يا مولانا؟» وابتعدوا عن سالم ورئيسهم يخاطبه قائلا: «أرجو المعذرة يا سيدي لم أكن أعرف أن ابن قائدنا الأكبر يعرفك.» وأكب على يد الحسين يريد تقبيلها وهو يقول: «العفو أننا تجاسرنا ...»
فقطع الحسين كلامه قائلا: «لا حاجة إلى الاعتذار فقد فعلتم ما عليكم، وستنالون الجوائز على سهركم. ولكنني أتفق أني أعرف هذا الفارس، وهو من الأصدقاء فأطلقوا سراحه.» واقترب من سالم وهمس في أذنه وقال: «ألم أقل لك إني أخاف عليك من حرس المدينة؟ لأنهم لا يعرفونك ... ولا أنا أعرفك ولكنني صدقت شهادة هذا الرسول ... سر بحراسة الله.» ومد إليه يده ليصافحه مصافحة الصديق.
الفصل الحادي والعشرون
الفشل
فمد سالم يده وقد غلب على أمره وأخذ الخجل منه مأخذا عظيما. واستغرب تلك المقابلة وكيف التقى بالرجل الذي كانوا يتحدثون عنه ويدبرون المكيدة له وخامرته الغيرة من الجهة الأخرى ولم يفهم سببا لوجود الحسين مع لمياء غير تواطؤهما على ذلك. وكيف يتواطآن على الاجتماع سرا في ذلك الليل هناك وهي تزعم أنها لا تريده خطيبا لها. فدارت الهواجس في رأسه لكنه لم يستطع غير إظهار الامتنان من محاسنة الحسين وكبر نفسه؛ وخصوصا؛ لأنه لم يسأله عن اسمه ولا طلب منه أن يكشف وجهه فودعه ورجع ولم يصدق أنه نجا قبل انكشاف أمره.
وأشار الحسين إلى الفرسان فرجعوا إلى السور وتقدم إلى لمياء وقال لها: «أفلت صاحبنا بلثامه وهو يعتقد أنني لم أعرفه. وإنما أطلقته إكراما لك وحرصا على كرامتك.»
فأجفلت من قوله وأرادت أن تغالطه فابتدرها قائلا: «أليس هذا سالما طلبة أمير المؤمنين إنهم يبحثون عنه ولو علم والدي بوجوده لبعث الجيوش للقبض عليه ولكنني رأيت فيك ميلا إلى كتمان أمره فأطعتك وأخليت سبيله رغم ما أبداه من الوقاحة، لا يخامرك شك في أني عرفته، وكيف أجهله وقد رأيته في حربنا مع والدك وتبارزنا في سجلماسة وفر مني؟ وها قد نجا الآن من أجلك، ولكنني أتقدم إليك أن تكتمي أمره وأحب أن لا يطلع أحد على ما جرى.»
Bog aan la aqoon