قالت: «كلا يا سيدتي لا أريد أن أغير شيئا قبل الفراغ من هذا العمل. وهل ترين منظرا أجمل مما أرى هنا ... ليس في الدنيا ألذ من النصر في ساحة الحرب ... لا صبر لي عن هذا المنظر هيا بنا إلى المعركة.»
قالت ذلك وأسرعت فتبعها الحسين، وهو يقول: «المعركة ... لست أشد مني غيرة على الدولة ولكنك شغلتني ...» ونزلا فركب كل منهما فرسه وتسلحا وبنت الإخشيد ترى وتعجب. فلما خرجا قالت في نفسها «إن قوما أنصارهم مثل هذين أحر بهم أن يفتحوا العالم.»
ولم يسيرا إلا قليلا حتى رأيا رجلا من أتباع الشريف مسلم حاملا علما أبيض يؤمن الناس فنادته لمياء فوقف فقالت: «من أرسلك بهذا العلم، وكيف الحال؟»
قال: «لما غلب الإخشيدية وقتل منهم خلق كثير ارتدوا إلى مصر وأخذوا من دورهم ما قدروا عليه وانهزموا فخرج حرمهم مشاة إلى الشريف أبي جعفر وكلفنه أن يكاتب القائد جوهرا بإعادة الأمان. فكتب إليه يهنئه بالفتح ويسأله إعادة الأمان، وهذا جوابه معي يؤمنهم وهذا العلم الأبيض شاهد على ذلك. فاطمأن الناس وخرج الأشراف والعلماء ووجهاء البلد بموكب حافل يتقدمه الوزير ابن الفرات وجماعة الأعيان إلى الجيزة لملاقاة القائد عند دخوله الفسطاط ولا يلبثون أن يعودوا به. ألم تسمع المنادي ينادي بذلك؟»
فالتفتت لمياء إلى الحسين وقالت: «قد تم النصر والحمد لله ... فلا حاجة إلى الخروج بل ننتظر وصول الموكب.»
ونحو العصر (17 شعبان سنة 358ه) أقبل الموكب حتى دخلوا الفسطاط وعليهم السلاح والعدة، فدخل جوهر وطبوله وبنوده بين يديه، وعليه ثوب ديباج مثقل وتحته فرس أصفر
1
فرافقوا الموكب حتى شق البلد ونزل في مكان أناخ فيه جوهر جماله وبنيت فيه القاهرة بعد ذلك.
فالتفت الحسين إلى لمياء يستشيرها فيما ينبغي أن يفعلا، فقالت: «هلم بنا إلى مقر ذينك اللعينين في الفندق أظنهما هناك.»
فتبعها وساقا الجوادين وقد قاربت الشمس الغروب حتى أتيا الفندق فلما رآهما صاحبه رحب بهما خوفا منهما وإن كان المنادون قد نادوا بالأمان ، ثم وقع نظره على لمياء فعرفها ورآها بلباس جند المغاربة فاستأنس بها وتقدم إليها وهو يقول: «هذا صديقنا الصقلبي!»
Bog aan la aqoon