قال: «ما اسمها.»
قالت: «سلامة ...»
قال: «هي التي أتتني متنكرة بثوب جندي وأخذت الكتاب إلى والدي.»
قالت: «نعم هي بعينها لله درها ... إني لم أعهد مثل هذه الحماسة والبسالة في النساء حتى قلت لها مرة: ليست هذه الأخلاق من أخلاق الجواري.»
فرأى الحسين مشابهة بين أخلاق لمياء وما سمعه عن سلامة وتذكر خروج لمياء من القيروان لخدمة المعز ... فأطرق وهو يقول في نفسه: «هل يمكن أن تكون سلامة هي لمياء متنكرة؟»
واستبطأت بنت الإخشيد جوابه ورأت إطراقه فتصورت أنها جددت ذكرى خطيبته وهو بعيد عنها فلم ترد أن تشغله عن تأملاته فحولت بصرها نحو النافذة المطلة على النيل والجيزة وراءه فرأت الروضة تعج عجيجا بالناس وفيهم الفرسان بالرماح والسيوف والمشاة بالحراب في غير زي المصريين وقد تطايرت السهام وأبرقت السيوف فصاحت: «ويلاه هذه هي الحرب ... قد دخل العدو بلدنا.»
فالتفت الحسين إلى الروضة وأجال نظره في تلك الجهات فقال: «قضي الأمر يا مولاتي هذا جندنا يقطع الجسر وهذه أعلامنا ولا يلبث أن يدخل الجند الفسطاط ظافرا ... لكن كوني مطمئنة أني أفديكم بدمي ها أني نازل لأقف بالباب وأمنع رجالنا من دخوله طمئني أهل القصر جميعا.» قال ذلك وأسرع نحو الباب الخارجي الكبير وكان مقفلا وقد أوصدوه. فرأى جنديا مغربيا يتسلقه وخدم القصر يستغيثون به ويتقدمون إليه أن لا يفعل؛ لأنهم لا يحاربون وهو لا يبالي، فصاح فيه الحسين: «أنزل يا رجل إن الذي يخاطبك هو الحسين بن جوهر.»
فلم يكترث الجندي لقوله بل ظل في عمله حتى وصل إلى عتبة الباب العليا فاستخرج من جيبه علما أخضر نصبه فوقها، وتحول إلى الداخل، وأشار إلى أهل القصر أن يتركوا الباب مقفلا. فنظر الحسين في وجهه فرآه ملثما فقال له: «من أنت يا رجل؟ لماذا لم تجبني.»
فأومأ إليه بوضع السبابة على شفته: «أن اسكت الآن.» ودخل مسرعا فتذكر الحسين الجارية سلامة كيف تركته متنكرة بثوب جندي مصري وما خامره من الشك فيها عند سماع خبرها من بنت الإخشيد. فأصبح شديد الميل إلى تحقيق ذلك، فلحق بها ولم ينتبه له أحد من أهل القصر؛ لاشتغالهم بالحذر والخوف وبما قام من الضوضاء في المدينة بين عويل وصياح.
ودخول ذلك الجندي المغربي أرعبهم لكنهم ما لبثوا أن رأوه ينصب الراية الخضراء حتى اطمئنوا ولكن الذين رأوه داخلا يعدو ولم يروا الراية؛ ذعروا.
Bog aan la aqoon