ولما قام أبو عبد الله بدعوة جدك المهدي - رحمه الله - وجمع كلمة القبائل في نصرته وتمكن من التغلب على أعدائكم أتى فنزلها وقسم البلد على كتامة ونادى بالإمام المهدي خليفة وحمل إليه الأموال التي كانت مخزونة في جبل إيكجان، ولكن يظهر أنه كان ينوي الخروج من الطاعة فضرب نقودا جديدة لم يذكر فيها اسم الإمام المهدي وإنما اكتفى بأن ضرب على أحد وجهي الدينار (بلغت حجة الله) وعلى الآخر (تفرق أعداء الله) وضرب على السلاح (عدة في سبيل الله) ووسم الخيل سمة (الملك لله) ثم ذهب إلى سجلماسة في طلب المهدي، وما زال حتى أتم الفتح وسلم الأمر إليه.
ويظهر أنه ندم على عمله فبعث الأموال إلى إيكجان سرا، واختزنها هناك حتى يعود فيقلب ظهر المجن ويطلب الأمر لنفسه، فعلم الإمام بذلك وما زال عليه حتى قتله - كما تعلمون - لكنه لم يعرف خبر تلك الأموال فبقيت مطمورة هناك. ولعله أسر أمرها إلى أبي حامد اللعين، فقام يسعى سرا في إخراج الملك من أيديكم على أن يفسد قلوب القبائل عليكم ويستعين بذلك المال عند الحاجة. وآخر مكائده قد فشلت أمس وإنما أصابت المأسوف عليه والدي، فهرب ذلك اللعين والأموال لا تزال في فج الأخيار. فإذا بعث المولى من يأتي بها أعانته في نصرة الحق. هذا ما أعرف من أمر الأموال.
ولم تتم كلامها حتى كلل العرق جبينها، وبان الاهتمام في محياها والخليفة ينظر إليها ويتفهم كلامها وقد أعجب بما كشفته من أمر هذا السر العظيم، فقال: «بورك فيك يا لمياء إننا سنبعث في طلب ذلك المال، ولكنني أفكر في مكيدة هذا الرجل كيف انطلت علينا وعلى والدك كل هذه الأعوام، إن فضلك في كشف هذا السر يربي علي فضلك في إنقاذنا من القتل؛ لأنك أطلعتنا على مساع متواصلة لو نجونا من تلك المكيدة ولم نطلع عليها لظلت الدولة في خطر من مكيدة أخرى، أما الآن فسنتعقب الخائنين حتى نفنيهم بعد أن نأخذ أموالهم.»
فأطرقت لمياء حياء عند سماع ذلك الثناء.
فتصدى الحسين للكلام، فقال: «هل يأذن لي مولاي أن أذهب في طلب هذا المال؟»
قال : «لك ذلك، ولكن هل علمت بما يعتور هذا العمل من المشاق ؟ إن جبل إيكجان في أواسط بلاد كتامة في البادية والذهاب إليه بعيد شاق.»
قال: «فليكن حيثما كان ... كل ذلك هين في خدمة أمير المؤمنين.»
فضحك الخليفة ضحك الاستحسان.
فقالت لمياء: «هذا من حيث المال أما من حيث استطلاع دخائل القوم بمصر فأنا أقوم به.»
فبغت الخليفة لهذا الاقتراح، وقال: «كيف تفعلين، أليس ذلك شاقا عليك؟»
Bog aan la aqoon