فقال حماد: «مرحبا بك أيها المتعبد التقي لقد جئناك عملا بوعدك وهذا والدي (وأشار إلى عبد الله) وهذا صديقي (وأشار إلى سلمان)».
وتقدموا جميعا وعبد الله ينظر إلى وجه الناسك كأنه يعرف وجها مثله.
وكان الناسك مشتغلا في إعداد أحجار يجلسون عليها وهو يخطر أمامهم عاريا وشعره مسترسل عليه يجلل بعضه فغلب عليهم الحياء فلم يستطيعوا النظر إليه إلا خلسة.
فلما أعد الحجارة تقدموا إليه وقبلوا يده فباركهم وجلسوا. أما هو فجثا على التراب جثو المستريح وجمع شعر رأسه ولحيته في صدره إلى حجره وأخذ يرحب بهم ويعتذر لعدم إمكانه القيام بحق ضيافتهم.
فقال عبد الله: «لقد جئناك نلتمس بركة لا ترحابا فقد بلغنا أنك من رجال الله المختارين فنظرة منك تغنينا عن أثاث القصور». قال ذلك وهو ينعم النظر فيه لعله يذكر الوجه الذي يشبهه.
فقال الناسك: «إني أحقر عباد الله فاشكر لحسن ظنكم بي وما تكبدتموه من المشقة في زيارتي فابسطوا ما في أنفسكم لعلي استطيع بمشيئة الله أن أخدمكم خدمة لمجده تعالى».
فقال عبد الله: «إننا من طائفة النصرانية الذين يعتقدون بكرامة النساك عباد الله ونعتقد أنهم ينطقون بوحي منه تعالى وقد جئنا لنطلعك على سر لم يطلع عليه أحد سوانا وراهب مقيم في دير بحيراء. والسر ذو خطر يستلزم أصغاء وكتمانا ونحن معاشر النصارى نعلم خطارة سر الاعتراف وما فيه مما يدعو إلى الثقة التامة بأمثالكم».
فقال الناسك: «قل يا ولدي ولا تخف».
فالتفت عبد الله يمينا وشمالا كأنه يحاذر أن يسمعه أحد وقال: «يظهر لي أنك من أهل العراق».
قال الناسك: «لقد أصبت المرمى نعم إني من أولئك. وما الذي دلك على ذلك».
Bog aan la aqoon