صلى الله عليه وسلم » فتحقق سلمان أن الفتح قد تم للمسلمين فوقف ومعه حماد في موقف يرى النبي وهو داخل المسجد فما لبث أن سمع الناس يكبرون ورأى النبي داخلا على قدميه ووراءه رجل من أصحابه آخذ بزمام ناقته فطاف حول الكعبة سعيا وفي كل مرة كان يأخذ الحجر الأسود بمجحفه والمسلمون يصيحون بالتكبير حتى زاد صياحهم فأشار إليهم أن اسكتوا.
وكان في المسجد ثلاثمئة وستون صنما لكل حي من أحياء العرب صنم قد شدوا أقدامها بالرصاص فجاء النبي وفى يده قضيب فجعل يهوى على كل صنم منها فيهوى على وجهه أو قفاه وهو يقول: «جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا.»
وكان سلمان وحماد ينظران إلى ذلك ويعجبان ثم رأياه جاء إلى صنم كبير إلى جانب الكعبة كان قد عرفا أنه هبل الأكبر فكسره وكان في الكعبة صور شتى للأنبياء وفيها صورة إبراهيم وإسماعيل وعيسى عليهم السلام فأمر بماء فمسحت كلها.
ولما تكسرت الأصنام وأمحيت الصور جلس النبي في ناحية المسجد وعلى رأسه شيخ وقور علم بعد ذلك أنه أبو بكر الصديق ثم أمر ففتحت الكعبة فدخلها والناس ينظرون فصلى فيها ركعتين.
ثم وقف على باب الكعبة والناس وقوف صامتون كأن على رؤوسهم الطير فقال: «لا اله إلا الله وحده لا شريك له صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.» ثم خطب خطبة طويلة ذكر فيها كثيرا من الأحكام منها (لا يقتل مسلم بكافر ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها والبينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي حرم ولا صلاة بعد العصر وبعد الصبح ولا يصام يوم الأضحى ويوم الفطر) ثم قال: «يا معشر قريش أن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء والناس من آدم من تراب.» ثم قال: «ماذا تقولون وماذا تظنون أني فاعل فيكم.» قالوا: «خير أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت.» فقال: «أقول قال كما أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا فأنتم الطلقاء.» وقال أقوالا أخرى أدهشت حمادا وسلمان لما حوته من الحكمة والموعظة فنظر سلمان إلى حماد وقال: «والله أني لأعجب لأناس قاوموا هذا النبي وهذه تعاليمه وأقواله ولا ريب عندي أن سلطانه سيتسع حتى يعطي الأرض ويمحو دولتي الروم والفرس.»
ثم إلتفت حماد فرأى القرشيين يعتنقون الإسلام وهم يصلون ويهنئ بعضهم بعضا وقد هدأت الأحوال وآب الناس إلى السكينة وانطلقوا إلى منازلهم وإشغالهم فخرج سلمان وحماد إلى الخان.
فلما استتب بهما الجلوس هناك إلتفت حماد إلى سلمان فقال له: «لقد شغلنا بهذه الأحوال عما جئنا من أجله ولقد نظرت إلى الكعبة فعظم علي أمر القرطين ولم أفهم أين موضعهما ولا كيف أستطيع الوصول إليهما وخصوصا بعد هذه الحروب ودخول مكة في حوزة المسلمين.»
فقال سلمان: «ألم أقل لك يا سيدي أن عمك سامحه الله قد اقترح عليك أمرا مستحيلا ولكننا سنقابل الشيخ الخزاعي ونرى رأيه في الأمر وليس بعد الجهد حيلة.»
فقال حماد: «وقد فاتنا استطلاع أمر والدي من أبي سفيان.»
فتنهد سلمان ولم يجب.
Bog aan la aqoon