ثم أفاق الشيخ مذعورا لصوت ثيرانه وهم بالخروج من الخيمة وهو يقول: «لقد تقاتل الثوران.» فخرج حماد في أثره وكان الليل قد سدل نقابه فسارا حتى دنوا من مربط الثيران فإذا هي لا تتقاتل ولكنهما شاهدا بينها جملا غريبا فتقدم الشيخ إليه وامسكه بعنقه وأبعده عن ثيرانه حتى دنا به من نار موقدة يستضاء بها وحماد يراعيه بعينيه ولم يكد الشيخ يتأمل ذلك الجمل حتى ضحك وقال: «وهذه ناقة من نوق أهل المدينة قد تخلفت عن جند الحجاز الذي قلت لك أنهم جاؤوا لحرب الغسانيين.»
فقال حماد: «وما الذي دلك على ذلك.»
قال: «دلني عليه شكل الرحل فانه خاص بأهل المدينة وكثيرا ما أرينا من أمثال هذه النوق مارة بنا إلى الشام وغيرها.»
فقال حماد: «يظهر أن هؤلاء العدنانيين قد أصبحوا على مقربة منا.»
فقال الشيخ: «لا أظنهم قريبين فقد يكون بيننا وبينهم مسافة أيام ولعل هذه الناقة قد تاهت منذ بضعة أيام.» قال ذلك وهو يعقلها ويأتي لها بالعلف.
فتركه حماد وعاد إلى خيمته وقد تمثل له الأمر بجسامته فعظم عليه أن يذهب أمله أدراج الرياح لاشتغال جبلة بالحرب فشعر باحتياجه إلى سلمان فصبر نفسه ريثما يعود إليه بخبر والده.
الفصل الثاني والثلاثون
سلمان وأخباره
وبعد أيام عاد سلمان كاسف البال لخيبة مسعاه في إلتفتيش عن سيده وكان حماد قد مل الانتظار فاستطلعه كنه ما علمه فاحكي له ما سمعه ثم قال: «يلوح لي أن سيدي رافق أبا سفيان إلى الحجاز إذ يظهر مما سمعته انه تحقق خبر مقتلك فلم يبق له وطر في الحياة ولعل أبا سفيان حبب إليه السفر ورغبه في المسير إلى الكعبة فجاراه.»
فقال حماد: «لا أظنه يفعل ذلك قبل أن يأتي بصرى ويستخرج المخباة التي خبأناها في غسام.»
Bog aan la aqoon