فقالت: «هبي انه سألنا عن سبب هذا الرفض فهل اذكر له حكاية حماد.»
قالت: «لا أدري ما تقولين ولكنني أخبرتك بمكنونات قلبي وقد وعدتني بتدبير الأمر فافعلي ما تشائين.»
فسكتت سعدى وقد وطنت نفسها على مجاراة ابنتها وخرجت من الغرفة وأمرت أهل القصر بضرب المضارب وإعداد الذبائح لاستقبال جبلة وحاشيته في صباح الغد.
فأصبح الصباح وقام الخدم لإعداد ما يلزم ففرشوا البسط ونصبوا الخيام وذبحوا الذبائح وأوقدوا النيران ولبست سعدى وهند أحسن ما لديهما وتهيأ للاستقبال فلما كان الضحى ظهر الغبار من جهة البلقاء فعلم أهل القصر بمجيء جبلة ورجاله فخرجوا لملاقاتهم وأطلت سعدى من بعض النوافذ المشرفة على ذلك السهل أما هند فتسلقت على سريرها وفرائصها ترتعد لهول ما تصورته من غضب والدها إذا علم بما في نفسها ثم ما لبثت أن سمعت قرقعة اللجم وصهيل الخيل بجوار القصر فعلمت بوصول والدها وفرسانه فخفق قلبها ولكنها تجلدت وأطلت من الشرفة فرأت الفرسان قد تحولوا إلى الخيام المضروبة لهم هناك وترجل والدها أمام الحديقة ودخل بلباسه الفاخر وقد لف رأسه بكوفية والعقال حولها والتف بالعباءة فوق الطيلسان فاستقبلته سعدى بوجه باش يخامره بعض الانقباض ثم جاءت هند فقبلت يده فضمها وقبلها واستغرب ما رآه في وجهها من النحول فسألها عن سبب ذلك فأجابته والدتها بأنها تشكو من ألم عارض فساروا جميعا إلى قاعة مفروشة بالبسط والسجاد والوسائد فدخل ثعلبة ممسكا هندا بيدها حتى جلس في صدر القاعة وأجلسها إلى جانبه وقد تنبهت فيه عواطف الشفقة لما آنسه فيها من الضعف فما صدق انه خلا بها وبوالدتها حتى سألهما عن شكوى هند منه فطمأنتاه وألحتا عليه أن يبدل ثياب السفر ويستريح ففعل وقد أوصى الخدم بإصلاح ما يحتاج إليه رجاله من الزاد.
أما سعدى فآنست في وجه زوجها انقباضا لم تعهده فيه وخصوصا عند مقابلته هندا بعد غياب طويل فعولت على استطلاع السبب بعد الغداء والاستراحة ولكنها لم تستطيع ذلك لانشغاله بمشاهدة غرف القصر ونزوله إلى الإسطبل يتفقد أفراسا له كان قد تركها هناك ولكنها لاحظت انه إنما كان يتلاهى بذلك تخلصا من سؤالها واستفهامها.
فلما كان المساء جلسوا للطعام وكل منهم في هاجس فلم يدر بينهم حديث غير ما لا بد منه كالتماس الآنية أو استبدال بعض أنواع الطعام أو الشراب ونحو ذلك.
فلما فرغوا من العشاء تفرق الخدم يهتمون بشؤونهم وبقي جبلة وزوجته وابنته في القاعة على حدة وكان جبلة متكئا على وسادة وهند إلى جانبه ووالدتها بين يديه.
فنظر إلى هند وتأمل وجهها ثم إلتفت إلى سعدى وقال لها: «لقد اطلنا الغيبة عليكم هذه المرة لشواغل انتابتني وكنت أعد النفس بالقدوم إليكم منذ أيام فلم استطعه إلا اليوم وكنت احسب مجيئي هذا يفرج كربتي فلم أر إلا ما يزيدني انقباضا.»
فتطاولت سعدى بعنقها نحوه قائلة: «ليس في هند ما يدعو إلى الانقباض فقد يمر على الإنسان أيام يتوعك بها مزاجه لغير سبب يعرفه ولكنني توسمت في وجهك انقباضا منذ قدومك هذا الصباح وكنت أغالط نفسي وأحسبني مخطئة أما وقد أقررت به من فيك فأرجو أن تفصح عن السبب.»
قال: «ليس في ما تشاهدينه من الانقباض ما يهمك الاطلاع على أسبابه فهو أمر عارض لا يدعو إلى البحث.»
Bog aan la aqoon