فقال حماد: «أنسير إلى بصرى متنكرين.»
قال: «لا خوف علينا بعد ما صدر من العفو ولكن ثعلبة ثعلب لا يركن إليه فامكث أنت هنا ودعني أسير بنفسي إلى منزلنا في غسام ومتى وصلت المكان علمت حقيقية الخبر.»
فقال: «وكيف تعلمه.»
قال: «أني ذاهب للبحث عن المخبأة التي تركناها بجوار منزلنا لا يعلم بها احد سوانا فإذا لم أجدها علمت أن سيدي أخذها فنعلم انه عاد من سفرته فنبحث عنه في بصرى وجوارها وإلا فنعلم انه لم يعد بعد فأسير إلى بيت المقدس للتفتيش عنه.»
فاستحسن حماد الرأي فباتوا ليلتهم ولما أصبحوا ركب سلمان بلباس الرهبان وترك حمادا في منزل رجل من بقايا الأنباط الذين كانوا يقيمون في جنوبي البلقاء. وكان الأنباط في الزمن القديم أمة عظيمة ذات عز ومجد وكانوا واسطة عقد التجارة بين مصر والشام والعراق وبلاد العرب يقيمون شرقي العقبة بين مصر والشام وبلاد العرب ولا تزال بعض آثارهم باقية حتى الآن في ما يسمى باترا أو بطرة ويغلب على الظن أن أصلهم من أنباط ما بين النهرين. وما زالت دولتهم قائمة حتى غلبهم الرومانيون في أوائل القرن الثاني للميلاد فتشتت شملهم وتفرقوا في البلاد واختلطوا بقبائل العرب الأخرى. ومن طرق معائشهم التنجيم وقد حملوه معهم بين النهرين.
وكان صاحب المنزل المشار إليه طاعنا في السن لم يرزق أولادا يعيش من زراعة بقعة من الأرض الصغيرة ولم يكن يحب الغسانيين لأنهم على زعمه احدث نعمة من الأنباط وان الأنباط أولى منهم بالسيادة وسبب بغضه لهم الحسد وذلك طبيعي في من كان من سلالة الحكام ثم رأى السيادة في غير أهله فانه لا يستطيع حبهم أو الإذعان لهم إلا قهرا فإذا خلا بنفسه ندد في حكومتهم وعدد معائبهم وهو من أدلة الضعف في بني الإنسان.
وكان سلمان لما عاد بحماد من عمان قد عثر على هذا الرجل واستطلع حاله فعلم أنه أحسن ملجاء يلجأ سيده إليه ريثما يعود إليه بخبر هند فلما عاد بخبرها كما تقدم واتفقا على ذهابه إلى غسام سار إليها وهو مطمئن البال ولكنه غادر حمادا على مثل الجمر في انتظار رجوعه.
فلم يمض يومان حتى عاد سلمان ومعه التحف والنقود التي كانوا قد خبأوها بجوار منزلهم فدفعها إلى حماد وهو منقبض النفس كاسف البال فسأله عن أمره.
قال: «أني خائف على سيدي من دسيسة ابن الحارث وأخاف أن يكون قد غضب لما ناله من العفو فأنفذ إليه رجالا اغتالوه.»
قال: «وما الذي حملك على هذا الظن.»
Bog aan la aqoon