فصل في الدليل على فضل العرب
Bogga 286
فصل
الدليل على فضل العرب ما رواه الترمذي عن العباس بن عبدالمطلب قال قلت يا رسول الله إن قريشا جلسوا يتذاكرون أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله خلق الخلق فجعلني في خير فرقهم ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا قال الترمذي هذا حديث حسن
والكبا بالكسر والقصر والكبة الكناسة والمعنى أن النخلة طيبة في نفسها وإن كان أصلها ليس بذاك
وعن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك قلت يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هداني الله قال تبغض العرب فتبغضني قال الترمذي هذا حديث حسن غريب
Bogga 287
وروى أبو جعفر الحافظ الكوفي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي قال الحافظ السلفي هذا حديث حسن فما أدري أراد حسن إسناده على طريقة المحدثين أو حسن متنه على الإصطلاح العام وأبو الفرج بن الجوزي ذكره في الموضوعات
وقال سلمان يا معشر العرب لتفضيل رسول الله إياكم لا ننكح نساءكم ولا نؤمكم في الصلاة وإسناده جيد رواه محمد بن أبي عمر العدني وسعيد في سننه
Bogga 288
ولما وضع عمر الديوان للعطاء كتب الناس على قدر أنسابهم فبدأ بالأقرب فالأقرب إلى رسول الله فلما انقضت العرب ذكر العجم هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس إلى أن تغير الأمر بعد ذلك والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة أصحها ما ذكرناه
وسبب ما اختصوا به من الفضل والله أعلم ما جعل الله لهم من العقول والألسنة والأخلاق والأعمال وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع أو العمل الصالح والعلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ وتمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة فالعرب هم أفهم وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة ولسانهم أتم الألسنة بيانا وتمييزا للمعاني
وأما العمل فإن مبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس فغرائزهم أطوع من غرائز غيرهم فهم أقرب إلى السخاء والحلم والشجاعة والوفاء من غيرهم ولكن حازوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عن فعله ليس عندهم علم منزل ولا شريعة مأثورة ولا اشتغلوا ببعض العلوم بخلاف غيرهم فإنهم كانت بين أظهرهم الكتب المنزلة وأقوال الأنبياء فضلوا لضعف عقولهم وخبث غرائزهم
Bogga 289
وإنما كان علم العرب ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم والحروب فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى تلقفوه عنه بعد مجاهدة شديدة ونقلهم الله عن تلك العادات الجاهلية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها فلما تلقوا عنه ذلك الهدى زالت تلك الريون عن قلوبهم فقبلوا هذا الهدى العظيم وأخذوه بتلك الفطرة الجيدة فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم والكمال الذي أنزله الله إليهم بمنزلة أرض طيبة في نفسها لكن هي معطلة عن الحرث أو قد نبت فيها شجر العضاء والعوسج وصارت مأوى الخنازير والسباع فإذا طهرت عن ذلك المؤذي من الشجر وغيره من الدواب وازدرع فيها أفضل الحبوب أو الثمار جاء فيها من الحب والثمر ما لا يوصف مثله
فصار السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل خلق الله سوى الأنبياء وصار أفضل الناس بعدهم من اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم إلى يوم القيامة من العرب والعجم
والله سبحانه أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليما
Bogga 290