Fasl al-Khitab fi al-Zuhd wa al-Raqa'iq wa al-Adab
فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
Noocyada
(حديث ابن عباس ﵄ الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ﷺ قال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.
(نعمتان) تثنية نعمة، وهي الحالة الحسنة، أو النفع المفعول على وجه الإحسان للغير. وزاد في رواية " من نعم اللّه "
(مغبون فيهما) بالسكون والتحريك قال الجوهري: في البيع بالسكون وفي الراوي بالتحريك، فيصح كل في الخبر. إذ من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن ولم يحمد رأيه
(كثير من الناس: الصحة والفراغ) من الشواغل الدنيوية المانعة للعبد عن الاشتغال بالأمور الآخروية، فلا ينافي الحديث المار: إن اللّه يحب العبد المحترف، لأنه في حرفة لا تمنع القيام بالطاعات. شبه المكلف بالتاجر، والصحة والفراغ برأس المال لكونهما من أسباب الأرباح ومقدمات النجاح فمن عامل اللّه بامتثال أوامره ربح، ومن عامل الشيطان باتباعه ضيع رأس ماله. والفراغ نعمة غبن فيها كثير من الناس. ونبه بكثير على أن الموفق لذلك قليل. وقال حكيم: الدنيا بحذافيرها في الأمن والسلامة. وفي منشور الحكم: من الفراغ تكون الصبوة، ومن أمضى يومه في حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه فقد عتق يومه وظلم نفسه. قال: لقد هاج الفراغ عليك شغلا * وأسباب البلاء من الفراغ. أهـ
وقد حثنا النبي ﷺ على الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى وحذرنا من الاهتمام بالدنيا والانهماك عليها: ومن ذلك ما يلي:
(حديث أبي هريرة ﵁ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ﷺ قال: إن الله تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك.
[*] قال الإمام المنذري رحمه الله تعالى في الترغيب والترهيب:
1 / 206