وأيقظ الهمس عمر فاستوى جالسا، فرأى الأمير على مقربة منه عليه حلته وفي يده صولجانه يشع منهما لألاء الجوهر فقال: الهرمزان! قال القوم: نعم، فتأمله وتأمل ما عليه وقال: «أعوذ بالله من النار وأستعين الله! الحمد لله الذي أذل للإسلام هذا وأشياعه! يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين واهتدوا بهدي نبيكم ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غرارة!» قال الوفد الذين جاءوا من تستر: «هذا ملك الأهواز فكلمه.» وأجاب عمر: «لا! حتى لا يبقى عليه من حليته شيء.» وكيف يكلم أمير المؤمنين رجلا قتل من أبطال المسلمين وشجعانهم من قتل وهو في حلة الملك وزيه، وقد ينتهي أمره إلى التنكيل به وقتله!
ونزع القوم كل ما على الهرمزان إلا ما يستره، وألبسوه ثوبا صفيقا، فلما رآه عمر على هذه الحال قال له: «هيه يا هرمزان! كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟!» وأجاب الهرمزان: «يا عمر! كنا وإياكم في الجاهلية وقد خلى الله بيننا وبينكم فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم، فلما كان معكم غلبتمونا.» قال عمر : «إنما غلبتمونا بالجاهلية باجتماعكم وتفرقنا، والآن فما عذرك وما حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة؟» ورأى الهرمزان الغضب في عين عمر وهو يلقي عليه هذا السؤال فقال: «أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك!» قال عمر: «لا تخف ذلك!» واستسقى الهرمزان ماء فأتي به في قدح غليظ فقال: «لو مت عطشا لم أستطع أن أشرب في مثل هذا؟» فأتي به في إناء يرضاه، فلما أخذه جعلت يده ترتجف وقال: «إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب الماء.» قال عمر: «لا بأس عليك حتى تشربه.» فأكفأ الهرمزان الإناء وأراق ما فيه من ماء، فقال عمر: «أعيدوا عليه ولا تجمعوا عليه القتل والعطش.» قال الهرمزان: «لا حاجة لي في الماء، إنما أردت أن أستأمن به.»
عند ذلك جرى بين الرجلين حوار تدخل فيه الأحنف بن قيس وأنس بن مالك، وكان فيه من جانب عمر عنف وشدة، وقد أورد الطبري وابن كثير هذا الحوار كما يلي:
عمر :
إني قاتلك؟
الهرمزان :
قد آمنتني!
عمر :
كذبت؟
أنس بن مالك :
Bog aan la aqoon