يا أمتا لا تحزني
وثقي بفضل الله فيه
يا أمتا لا تيأسي
لله ألطاف خفيه
أوصيك بالصبر الجمي
ل فإنه خير الوصيه
وحينما نفد صبره، وضاق صدره بالأسر، حاول الفرار ذات ليلة وكاد يفلت، لولا أن هبت فجأة عاصفة هوجاء، أيقظت الحراس النائمين. وشاع خبر محاولته الهرب في المدينة، وتحدث الروم من جديد بشجاعة الفارس العربي وجرأته، وأخبر ملك الروم زوجه «تيوفانو» بالحادثة، وأفاض في إطراء أبي فراس ووصف وسامته وشجاعته، وأنه مثال رائع للبطولة العربية. فتشوقت إلى رؤيته. وكانت تيوفانو آية من آيات الجمال الإغريقي: تزوجت أول أمرها برومانس ملك الروم، وكان فتى جميل الطلعة نضير الشباب، ولكنها لم تنعم بحبه طويلا حتى طواه الموت. وجلس بعده نيقفور على سرير الملك، واستهواه جمالها، فما زال يتقرب إليها ويتوسل ويستعطف، حتى تزوجته على كره منها.
وما تبلج الصباح حتى خرجت تيوفانو إلى السجن، لتشاهد ذلك الفتى العربي، الذي أثار الناس حوله ضجة من المديح، وكادوا يلحقونه بآلهتهم القدماء. وما كادت تقف أمام أبي فراس حتى رأت تمثالا أبدع الخالق القدير تنسيقه للقوة والبطولة، ورأت الشهامة العربية والشمم القرشي في وجه لم تستطع الوقائع والأهوال واشتباك السيوف أن تمس شيئا من وسامته، فخطر بنفسها خاطر يشبه الجنون: لم لا يكون هذا الفارس الجميل قائدا من قواد الروم؟ ولم تحرم القسطنطينية هذه الدرع الحصينة التي هي أصلب من أسوارها، وأقوى من قلاعها، إنه إذا انضم إلى جيش الروم قهر الدنيا وأعاد إلى القسطنطينية المجد القديم. لقد وقع هذا الصقر في أيدينا فلم لا نتخذ منه قوة إلى قوتنا، وبازيا لصيد أعدائنا؟ خطر بنفسها هذا الخاطر فمالت نحو الأسير وقالت: ما حالك اليوم يا بطل الصحراء؟ وكان أبو فراس تعلم من صوفيا ما يستطيع به أن يفهم الرومية، وأن يتحدث بها في شيء من اليسر فابتسم وقال: حال الأسير العاني يا درة البحار. - هل فارقت في حلب حبيبا؟
فزفز أبو فراس وقال: فارقتها ولم يفارقني خيالها. - إن في فتيات الروم من الحسن ما يزهد فيك كل ذات جمال، وقد جئت أيها الفارس لأفتح أمامك باب الأمل، ولأبدد عنك خواطر اليأس، ولأنقلك من هذه الحجرة المظلمة إلى أعظم قصر بالمدينة. - كيف يا سيدتي؟ - إن الأمر بيدك وهو عليك جد يسير. - لا أفهم ما ترمين إليه. - سنخلص لك الود ونغمرك بمحبتنا ونعمنا إذا رضيت بالحياة معنا وجردت حسامك في صفوف جيوشنا. - أنا يا سيدتي؟ - نعم سيجعلك نيقفور قائد جيوش الروم، وستكون مرتبتك تالية لمرتبته.
فضحك أبو فراس وقال: يا سيدتي إن العرب لا يبيعون أنفسهم لأعدائهم ولو لاقوا ما هو شر من الحمام. إننا يا سيدتي أبناء الصحراء نبتت أخلاقنا من صخورها، واتقدت قلوبنا في قيظها وهجيرها. نحن لا نحن إلى النعيم إلا في ظل الشرف والكرامة والذود عن الحوزة والدفاع عن العقيدة والوطن. لا يا سيدتي إنني أجد في الأسر لذة ونعيما كلما ذكرت أنني لم أصل إلى السجن إلا بعد أن سقطت في ميدان الشرف والجهاد. - عجيب أمرك أيها الفتى، تقبل الدنيا عليك بحذافيرها فتركلها بقدمك لوهم كاذب وكبرياء معتوهة؟! - إنها العقيدة الراسخة يا سيدتي، والخلق العربي الذي ارتضعناه من أثداء أمهاتنا. - تصور أنك ستكون القائد الأعظم لجيوش الروم، وتصور أني سأزوجك إحدى وصيفاتي وهي أجمل امرأة فتحت عليها عين إنسان. - لو كنت جنديا في جيش العرب ما قبلت أن أكون ملكا لكم. أما الزواج يا سيدتي فإني متزوج بمن لا أبيعها بالجنة وملائكتها الأطهار. - إنك ستظل في الأسر ذليلا إلى أن تموت دون أن تجرد سيفا لنصرة العرب ودون أن ترى لزوجك ظلا. - السجن أحب إلي مما يدعونني إليه.
Bog aan la aqoon