2
لفر منها أشجع الشجعان. - إن أمك والله أحق مني، فلم لا تشير على سيف الدولة بأن يجرد منها جيشا يطهر به البلاد من غزوات الروم؟ - إن الروم تغير على التخوم والدروب، وأنت تغيرين على ما في الجيوب. - لو وجدت في جيبك مالا لعلمت أنك سرقت ثوب غيرك. - إن في جيبي مائتي دينار. - إن ربع دينار منها يكفي لقطع يدك. - ولو أعطيتك المائتين لقطعت بها لسانك، فكفي عن هذا السباب. - إن عرضك يغري اللسان بالقذف، ولو حاولت إسكاته بكنوز قارون. - وعرضك لا يباع بدرهم. - لأن الكلاب تلغ فيه. ثم ضحكت ضحكة الظافر المنتصر، وربتت كتفه وقالت: من أين لك هذا المال يا جرذ؟ - من قرعويه. - هنيئا لك بسيدك! - وهنيئا لك بسيدي! - أنا! - نعم أنت، فالمال لك! وأنا الناقة التي تحمل الماء وهي عطشى. - متى بدأ سيدك يتصدق على العجائز؟ - حينما علم أن في أيديهن مفاتيح الجنة. - إن جنتي أغلى من أن تفتح بمائتي دينار. - هذه خطوة تليها خطوات، ونفحة تتبعها نفحات. وثمن أول طرقة على ذلك الباب القدسي الطاهر. - اكشف اللثام عن القول ودعني من الكنى. - تعلمين ميل سيدي المبرح إلى نجلاء، وتعلمين أنها تقابل فتونه بالصد، ولن يغيب عنك أنها بعد صداقتها لأبي فراس زاد إعراضها وجفاؤها لسيدي. - أعلم هذا، وأعلم إلى جانبه أني لو كنت في شباب سيدتي وجمالها، ما عملت غير ما عملت. إن أبا فراس لو علمت به الحور لفرت من الجنة للقائه. وأين منه سيدك يا لكع؟
3 - ذلك المتكبر الصلف؟! - هو متكبر صلف علي وعليك يا غبي، أما في مجالس الحسان فحنان وسحر ورقة، وعلى أية حال ماذا تريد مني؟ - أريد أن تقطعي الصلة بينه وبين نجلاء. - وكيف؟ - لا توصلي رسائلها إليه، وسنغري خادمه سهما بألا يوصل رسائله إليها. - هذا حسن، ثم؟ - ثم تشتد الجفوة بينهما، ويظن كلاهما بالآخر الظنون. - معقول، ثم؟ - ثم تنفثين سمومك، وتهونين أمره على نجلاء، وتدعين أنه مدله بحب صوفيا بنت لوسيان، وتطلعينها على رسائله التي سيوصلها إليك سهم، زاعمة أنه بعث بها إلى صوفيا، وأنك حصلت عليها من خادمها.
فاتكأت العجوز بذراعها على كتفه، وغاصت في تأملات عميقة، ثم رفعت رأسها وقالت وهي ذاهلة: كنت أظن أن بحلب مصنعا واحدا للدسائس هو رأسي، ولكني الآن أطرق إجلالا لمصنع جديد في رأس جديد. ثم عاد إليها جشعها فقالت: إن المكيدة قطعة فنية رائعة، ولكن الثمن لتنفيذها لا يزال قليلا. - إن سيدي، لا يفكر في الثمن كيفما عظم، فهو يضع في يدك كل أسبوع مائتي دينار، أتقبلين؟ - قبلت.
فأسرعت يد فهد إلى جيبه فنفحها بالمال.
وكان الاتفاق مع سهم سهلا، ومرت الأيام، واستمرت نجلاء تبعث برسائلها مع العجوز، والعجوز تصونها في حرز حريز، وقلق أبو فراس، فدعا بسهم وزوده برسالة إلى نجلاء كتب فيها:
إليك أشكو منك يا ظالمي
إذ ليس في العالم عون عليك
أعانك الله بخير أعن
من ليس يشكو منك إلا إليك
Bog aan la aqoon