قال الخوري في نفسه: إذا صرخت هاجموني وأطبقوا علي، ومن يعلم ما تكون النهاية؟ فأقر أن يتركهم يفعلون ما يشاءون.
ها هم قد دخلوا البيت فرأوا الخوري جامدا منتصبا في وسط غرفته كالشبح، فقال له أحدهم: يا لحية الكلب من الذي دعاك لمساعدة قرياقوس علينا. خذ هذي تنفعك، وهذي تضرك ... والخوري ككل ضعيف كان يودع الضربة الرائحة بكلمة آخ، ويستقبل الآتية بصبر وجلد، وهو صامت كالسمكة، وكأنه يعمل بقول سيده يسوع المسيح: من ضربك على خدك الأيمن فحول له الأيسر.
وأخيرا سال الدم من أنفه، فظن أنهم أصابوا منه مقتلا. وهاله مشهد الدم، فصرخ، فانهالت عليه العصي كندف القطن، واحدة طالعة وواحدة نازلة؛ وهكذا دواليك.
وما انفكوا عنه حتى سمع الجيران خوار الخوري، وأقبلوا على الصوت؛ ففر المعتدون كل واحد إلى بيته، ومنهم من لم يفر، بل خرج من الشباك ليعود من الباب مع القادمين يسأل ما الخبر؟ ... - سلامتك يا خوري يوسف. بسيطة إن شاء الله.
وجاء جار الرضا جرجس طنوس، ولما رأى الخوري مدمى أسرع وجاء بالإبريق ليغسل جرحه وينظف لحيته التي صارت قرمزية، فقال له الخوري: ابعد، خل الدم، هذه شهادة لا ترد، والله لأجرهم كلبا خلف كلب إلى بعبدا بخيط قطن.
وحاول بعضهم أن يردوا الباب إلى ما كان، فصاح الخوري: لا، لا، اتركوه على ما هو. ثم صرخ: رفول أسرج الفرس والجمها حالا.
فقال رفول بلهجته الرخوة: إلى أين من غير شر؟ ما طلع علينا الضو بعد!
فقال الخوري لأخيه المعتوه: ما سمعت الخبيط والضرب والقرقعة! - لو كنت سمعت كنت قمت. - بلى سمعت، ولكنك فزعت وربما قضيتها في الفراش ... أسرج الفرس والجمها حالا.
فصاح رفول: الفرس هلكت من التعب. ريحها يا خوري يوسف. - الفرس أعز مني يا جحش! قلت لك شد على الفرس.
وأخذ الخوري يلبس ثيابه، وهو يوصي جاره يوسف زغنا أن يجعل عينه على البيت دون أن يدخل ولا يغير شيئا من الأواني، بل يتركها مبعثرة كما هي.
Bog aan la aqoon