﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢)﴾:
قوله ﷿: ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ﴾ حين تُبتم من عبادة العجل.
﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: الإشارة إلى ما ارتكبوه من الأمر العظيم، وهو اتخاذهم العجل إلهًا.
﴿لَعَلَّكُمْ﴾: اللام متعلقة بـ ﴿عَفَوْنَا﴾ وكذلك ﴿عَنْكُمْ﴾، و﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾.
ومفعول ﴿تَشْكُرُونَ﴾ محذوف، أي: عفونا عنكم إرادةَ أن تشكروا ربكم على عفوه عنكم من بعد ما صدر عنكم.
وقد جُوِّزَ أن يكون ﴿عَفَوْنَا﴾ هنا من عَفَتِ الريحُ الأَثَرَ، إذا أذهبته. وأن يكون من عفا النباتُ، إذا لم يُرْعَ حتى طال، على معنى: أَذْهَبْنَا آثارَ ذنوبِكم، أو أبقينا على بقيتكم فلم نستأصلكم، فاعرفه (١).
﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)﴾:
قوله ﷿: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾: (إذ) في موضع نصب عطف على ما قبله.
و﴿الْفُرْقَانَ﴾ في الأصل مصدر، كالغفران والكفران، يقال: فَرَقْتُ بين الشيئين أَفْرُقُ فَرْقًا وفُرقانًا، ثم سمي الكتاب به، وهو التوراة، يعني الجامع بين كونه كتابًا مُنْزَلًا وفرقانًا يَفْرُق بين الحق والباطل، كما تقول: رأيت الغيث والليث، تريد الرجل الجامع بين الكرم والشجاعة.
(١) المعنيان لغويًّا صحيحان مذكوران في كتب اللغة، انظر الصحاح (عفا)، والأضداد/ ٨٦/، ولم أجد من سبق المؤلف في هذا، وذكره القرطبي في جامعه ١/ ٣٩٧ بقوله: محونا ذنوبكم، وتجاوزنا عنكم. ولم يذكر البغوي إلا الأول، وهذا يدل على سعة اطلاع وتبحر من المؤلف ﵀.