الفرج بعد الشدة للقاضي أبي علي الحسن بن أبي القاسم التنوخي (327 - 384) الأصل مأخوذ عن نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية الجزء الأول منشورات الرضى قم
Bogga 1
الكتاب: الفرج بعد الشدة المؤلف: للقاضي أبي علي المحسن ابن أبي القاسم التنوخي الناشر: منشورات الشريف الرضى - قم عدد الصفحات: الجزء الأول والجزء الثاني 518 عدد المطبوع: 1000 نسخه الطبعة: الثانية المطبعة: أمير - قم سنة الطبع: 1364
Bogga 2
ترجمة المؤلف قال ابن خلكان: هو أبو علي المحسن بن أبي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم التنوخي. ولد ليلة الأحد لأربع بقين من شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة. وسمع بها من أبي العباس الأشرم، وأبي بكر الصولي، والحسين بن محمود بن عثمان. ونزل ببغداد وأقام بها وحدث إلى حين وفاته.
وكان: سماعه صحيحا وأول سماعه الحديث في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وكان من العلماء الحفاظ، والشعراء المجيدين وفيه يقول أبو عبد الله ابن الحجاج الشاعر:
إذا ذكر القضاة وهم شيوخ * تخيرت الشباب على الشيوخ ومن لم يرض لم أصفعه إلا * بحضرة سيدي القاضي التنوخي وله ديوان شعر أكبر من ديوان أبيه.
له مؤلفات منها: كتاب الفرج بعد الشدة، وكتاب نشوان المحاضرة، وكتاب المستجاد من فعلات الأجواد، وتولى القضاء من قبل أبي السائب عتبة بن عبيد الله في بابل والقصر وما والاهما في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، ثم ولاه الامام المطيع لله القضاء بعسكر مكرم وايذج ورامهرمز وتقلد بعد ذلك أعمالا كثيرة في أماكن مختلفة ومن شعره قوله:
قل للمليحة في الخمار المذهب * أفسدت نسك أخي التقي المترهب نور الخمار ونور خدك تحته * عجبا لوجهك كيف لم يتلهب وجمعت بين المذهبين فلم يكن * للحسن عن مذهبهما من مذهب فإذا أتت عين لتسرق نظرة * قال الشعاع لها اذهبي لا تذهبي
Bogga 3
وكتب رحمه الله تعالى إلى بعض الرؤساء في شهر رمضان:
نلت في ذا الصيام ما ترتجيه * وكفاك الاله ما تتقيه أنت في الناس مثل شهرك في الأشهر * بل مثل ليلة القدر فيه ومن شعره في بعض المشايخ وقد خرج ليستقي، وكان في السماء سحاب فلما دعا أصحت السماء فقال أبو علي خرجنا لنستسقي بيمن دعائه * وقد كان هدب الغيم أن يلحق الأرضا فلما ابتدأ يدعو تكشفت السما * فما تم إلا والغمام قد انقضا وكانت وفاته رحمه تعالى ببغداد ليلة الاثنين لخمس بقين من المحرم سنة أربع وثمانين وثلاثمائة
Bogga 4
بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب الحمد لله الذي جعل بعد الشدة فرجا، ومن الضيق سعة ومخرجا، ولم يخل محنة من منحة، ولا نقمة من نعمة، ولا نكبة ورزية، من موهبة وعطية، وصلى الله على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
(أما بعد): فانى لما رأيت أبناء الدنيا متقلبين فيها بين خير وشر، ونفع وضر، ولم يكن لهم في أيام الرخاء، أنفع من الشكر والثناء، ولا في أيام البلاء، أنجع من الصبر والدعاء، لان من جعل الله عمره أطول من محنته، فإنه سيكشفها عنه بطوله ورأفته، فيصير ما هو فيه من الأذى، كما قال بعض من مضى، ويروى للأغلب العجلي أو غيره:
الغمرات ثم ينجلينا * ثمت يذهبن فلا يجينا وطوبى لمن وفق في الحالين، للقيام بالواجبين. وجدت من أقوى ما يفزع إليه، من أناخ الدهر بمكروهه عليه، قراءة الاخبار التي تنبئ عن تفضل الله عز وجل على من حصل قبله في محصله، ونزل به مثل بلائه ومعضله، بما أتاحه الله تعالى له من صنيع أسهل به الأرزاق، ومعونة حل بها الخناق، ولفظ غريب نجاه، وفرج عجيب أنقذه وتلافاه، وإن خفيت من ذلك الأسباب، ولم يبلغ ما حدث منه الفكر والحساب، فان في معرفة الممتحن بذلك تشحيذ بصيرته للصبر، وتقوية عزيمته على التسليم لله مالك كل أمر، وتصويب رأيه في الاخلاص، والتفويض إلى من بيده ملك النواص، وكثيرا إذا علم الله تعالى من وليه وعبده، انقطاع آماله إلا من
Bogga 5
عنده، لم يكله إلى سعيه وجهده، ولم يرض له باحتماله وطوقه، ولم يخله من عنياته ورفقه، وأنا بمشيئة الله تعالى جامع في هذا الكتاب، أخبارا من هذا الجنس والباب، أرجو به انشراح صدور ذوي الألباب، عندما يدهمهم من شدة ومصاب، إذ كنت قد قاسيت من ذلك في محن دفعت إليها ما يحنو بي على الممتحنين، ويحدو بي على بذل الجهد في تفريج غموم المكروبين، وكنت قد وقفت في بعض محنى على خمس أو ست أوراق جمعها أبو الحسن علي بن محمد المدايني، وسماها: " كتاب الفرج بعد الشدة والضيق " وذكر فيها أخبارا تدخل جميعها في هذا المعنى فوجدتها حسنة ولكنها لقلتها نموذج صغير، ولم يأت بها مؤتلفة، ولا سلك بها سبيل الكتب المصنفة، ولا الأبواب الواسعة المؤلفة، مع اقتداره على ذلك، ولا أعلم غرضه في التقصير، ولعله أراد أن ينهج طريق هذا الفن من الاخبار، ويسبق إلى فتح الباب فيه بذلك المقدار، وينقل جميع ما عنده فيه من الآثار.
ووقع إلى كتاب لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قد سماه:
" كتاب الفرج بعد الشدة ". في نحو عشرين ورقة والغالب فيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأخبار عن الصحابة والتابعين رحمهم الله تعالى يدخل بعضها في معنى طلبته، ولا يخرج عن قصده وبغيته وباقيها أحاديث وأخبار في الدعاء والصبر، والأرزاق، والتوكل، والتعرض، للشدائد بذكر الموت، وما يجرى مجرى التعازي ويتسلى به عن طوارق الهموم، ونوازل الاحداث والغموم، ويستحق عليها من الثواب في الأخرى، مع التمسك بالحزم في الأولى. وهو عندي خال من ذكر فرج بعد شدة، غير مستحق أن يدخل في كتاب مقصور على هذا الفن، وضمن الكتاب نبذا قليلة من الشعر، وروى فيه شيئا يسيرا جدا مما ذكره المدايني، إلا أنه جاء به بلا اسناده له الا عن المدايني.
وقرأت أيضا كتابا للقاضي أبى لحسين عمر بن القاضي أبى عمرو محمد بن يوسف القاضي رحمهم الله في مقدار خمسين ورقة قد سماه: " كتاب الفرج بعد الشدة ". أودعه أكثر ما رواه المدايني وجمعه وأضاف إليه أخبارا أخر
Bogga 6
أكثرها حسنة وفيها ما هو غير مماثل عندي لما عناه، ولا مشاكل لما نحاه، وأتى في أثنائها بأبيات شعر يسيرة، من معادن لا مثالها جمة كثيرة، ولم يلم بما أورده ابن أبي الدنيا، ولا أعلم تعمد ذلك أم لم يقف على الكتاب؟! ووجدت أبا بكر ابن أبي الدنيا والقاضي أبا الحسين لم يذكرا للمدايني كتابا في هذا المعنى، فإن لم يكونا عرفا هذا فهو طريف، وان كانا تعمدا ترك ذكره تثقيفا لكتابيهما وتغطية على كتاب الرجل فهو أطرف، ووجدتهما قد استحسنا استعارة لقب كتاب المدايني على اختلافهما في الاستعارة، وحيدهما عن أن يأتيا بجميع العبارة، فتوهمت أن كل واحد منهما لما زاد على قدر ما أخرجه المدايني اعتقد أنه أولى منه بلقب كتابه، فإن كان هذا الحكم ماضيا، والصواب به قاضيا، فيجب أن يكون من زاد عليهما أيضا فيما جمعاه أولى منهما بما تعبا في تصنيفه ووضعاه، فكان هذا من أسباب نشاطي لتأليف كتاب يحتوي من هذا الفن على أكثر مما جمعه القوم، وأبين للمعنى، واكشف وأوضح وان خالف مذهبهم في التصنيف، وعدل عن طريقهم في الجمع والتأليف، فإنهم نسقوا ما أوعدوه كتبهم جملة واحدة، وربما صادقت مللا من سامعها، أو وافقت سآمة من الناظرين فيها، فرأيت أن أنوع الاخبار واجعلها أبوابا، ليزداد من يقف على الكتب الأربعة بكتابي من بينها اعجابا، وأن أضع ما في الكتب الثلاثة في مواضعه من أبواب هذا الكتاب، إلا ما اعتقد أنه يجب ان لا يدخل فيه، وأن تركه وتعديه أصوب وأولى. والتشاغل بذكر غيره مما هو أدخل في هذا المعنى ولم يذكره القوم أليق وأحرى، وأن أعزو ما أخرجه مما في الكتب الثلاثة إلى مؤلفيها تأدية للأمانة، واستيثاقا في الرواية، وتبيينا لما آتي به من الزيادة، وتنبيها على موضع الإفادة، فاستخرت الله عز وجل ذكره، وبدأت بذلك في هذا الكتاب ولقبته بكتاب: " الفرج بعد الشدة ".
تيمنا لقارئه بهذا المقال، وليستسعد في ابتدائه بهذا الفال، ولم أستبشع إعادة هذا اللقب، ولم احتشم تكريره على ظهور الكتب، لأنه قد صار جاريا مجرى تسمية رجل ابنه محمدا أو محمودا، أو سعدا، أو مسعودا، وليس لقائل مع التداول لهذين الاسمين أن يقول لمن سمى بهما الآن: انك انتحلت هذا
Bogga 7
الاسم أو سرقته. ووجدتني متى أعطيت كتابي هذا حقه من الاستقصاء، وبلغت به حده في الاستيفاء، جاء في ألوف أرواق لطول ما مضى من الزمان وان الله سبحانه وتعالى بحكمته أجرى فيه أمور عباده منذ خلقهم، وإلى أن يقبضهم على التقلب بين شدة ورخاء، ورغد وبلاء، وأخذ وعطاء، ومنع وصنع وضيق ورحب، وفرج وكرب، علما منه تعالى بعواقب الأمور، ومصلحة الكافة والجمهور، فأخبار ذلك كثيرة المقدار، عظيمة الترداد والتكرار، وليست كلها بمستحسنة ولا مستفادة، ولا مستطابة الذكر والإعادة، فاقتصرت على أحسن ما رويته من هذه الأخبار، وأصح ما بلغني في معانيها من الآثار، واملح ما وجدت في فنونها من الاشعار، وجعلت قصدي إلى الايجاز والاختصار، واسقاط الحشو وترك الاكثار وإن كان المجتمع من ذلك جملة يستطيلها الملول، ولا يتفرغ لقرائتها المشغول، وأنا راغب إلى من يصل كتابي هذا إليه، وينشط للوقوف عليه، أن يصفح عما يعثر به من زلل، ويصلح ما يجد فيه من خطأ أو خلل، والله اسأل السلامة من المعاب، والتوفيق لبلوغ المحاب والارشاد إلى الصواب، ويفعل الله ذلك بكرمه انه جواد وهاب.
Bogga 8
الباب الأول فيما أنبأ الله تعالى به في القرآن من ذكر الفرج بعد البؤس والامتحان قال الله تعالى وهو أصدق القائلين وقوله الحق اليقين بسم الله الرحمن الرحيم: (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذي انقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك * فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب (1) فهذه السورة كلها مفصحة بأذكار الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم منته عليه في شرح صدره بعد الغم والضيق ووضع وزره عنه، وهو الاثم بعد أنقاض الظهر، وهو الثقل الذي أثقله لنقض العظام كما ينتقض البيت إذا صوت للوقوع. ورفع جل جلاله ذكره بعد أن لم يكن بحيث جعله مذكورا معه، والبشارة له في نفسه عليه الصلاة والسلام وفى أمته بأن مع اليسر الواحد يسرين إذا رغبوا إلى الله تعالى ربهم وأخلصوا له طاعاتهم ونياتهم وقال الله تعالى: (سيجعل الله بعد عسر يسرا (2) (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه (3) وقال جل ثناؤه: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه - إلى قوله - اعلم أن الله على كل شئ قدير (4) فأخبر الله تعالى ان الذي مر على القرية استبعد أن يكشف الله عنها وعن أهلها البلاء بقوله: (أنى يحيى هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثم بعثه) إلى آخر القصة فلا شدة أشد من الموت والخراب، ولا فرج أفرج من الحياة أو العمارة. فأعلمه الله تعالى بما فعله به أنه لا يجب أن يستبعد فرجا من الله وصنعا كما عمل به، وانه قادر على أن يحيى القرية وأهلها كما أحياه الله تعالى فأراه بذلك آياته ومواضع صنعه وقال جل ثناؤه: (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه (5)
Bogga 9
وقال سبحانه: (وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون (1) وقال جل من قائل: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين (2) وقال جل من قائل (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجينا من هذه لنكونن من الشاكرين * قال الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون (3) وقال جل ثناؤه: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد (4) وقال جل ذكره: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون (5) وقال جل من قائل: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون (6) وقال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (7) وقال تعالى: (وأفوض أمرى إلى الله إن بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب (8)) وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (9) وقال تعالى: (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبه قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من
Bogga 10
ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (1) وقال عز من قائل: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (2) وروى عن الحسن البصري رضى الله تعالى عنه أنه قال: عجبا لمكروب غفل عن خمس وقد عرف ما جعل لمن قالهن. قوله: (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع إلى - قوله - هم المهتدون (3) وقوله تعالى: (وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا (4) وقوله تعالى:
(وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين (5) وقوله: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم - إلى قوله - والله ذو فضل عظيم (6) وقوله تعالى:
(وأيوب إذ نادى ربه أنى مسني الضر - إلى قوله - وذكرى للعابدين (7)) وروى عن الحسن البصري رضي الله عنه أيضا أنه قال: من لزم قراءة هذه الآيات في الشدائد كشفها الله تعالى عنه، لأنه قد وعد وحكم فيهن بما جعله لمن قالهن وحكمه تعالى لا يبطل، ووعده لا يخلف. وقد ذكر تعالى فيما قصه من أخبار الأنبياء شدائد ومحنا استمرت على جماعة منهم وضروبا جرت عليهم من البلاء فأعقبها بفرج وتخفيف، وتداركهم منها بصنع جليل لطيف.
فأول ممتحن منهم آدم عليه السلام أبو البشر فان الله جل جلاله خلقه في الجنة وعلمه الأسماء كلها وأسجد الملائكة له، ونهاه عن أكل الشجرة. فوسوس له الشيطان، فكان منه ما قاله الرحمن في محكم القرآن: (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (8) هذا بعد أن أهبطه من الجنة إلى الأرض
Bogga 11
وأفقده لذيذ ذلك الخفض، فانتقضت عادته، وغلظت محنته، وقتل أحد ابنيه الآخر، وكانا أول أولاده. فلما طال حزنه وبكاؤه، واتصل استغفاره ودعاؤه، رحم الله تذلله وخشوعه، واستكانته ودموعه، فتاب عليه وهداه وكشف ما به ونجاه فكان آدم صلى الله عليه وسلم أول من دعا فأجيب، وامتحن فأثيب، وخرج من ضيق وكرب، إلى سعة ورحب، وسكن همومه، ونسي غمومه، وأيقن بتجديد الله تعالى له النعم، وإزالته عنه النقم، وانه تعالى إذا استرحم رحم، فأبدله الله تعالى هذا بتلك الشدائد، وعوضه بدل الابن المفقود والابن العاق الموجود نبي الله شيثا عليه السلام وهو أول أولاده البررة بالوالدين، ووالد النبيين والصالحين، وأبو الملوك الجبارين وجعل ذريته هم الباقين وخصهم من النعم بما لا يحيط به وصف الواصفين وقد جاء في القرآن من الشرح لهذه الجملة والبيان، مالا يحتمل ذكره هذا المكان، وقد روى فيه من الاخبار، مالا وجه للإطالة به والاكثار.
ثم نوح عليه السلام فإنه امتحن بخلاف قومه عليه، وعصيان ابنه له، والطوفان العام، وركوب السفينة وهي تجرى بهم في موج كالجبال، واعتصام ابنه بالجبل وتأخره عن الركوب معه. فقاسى نوح بذلك الشدائد، فأعقبه الله تعالى الخلاص من تلك الأهوال بالتمكين له في الأرض، وبغيض الطوفان وجعله شبه آدم عليه الصلاة والسلام، لأنه أنشأ منه ثانيا جميع البشر كما أنشأهم أولا من آدم فلا ولد لآدم إلا من نوح عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون، ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين، وتركنا عليه في الآخرين (1). (ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له ونجيناه وأهله من الكرب العظيم (2) ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وما وقع له من كسر الأصنام، وما لحقه من قومه من محاولة احراقه، فجعل الله النار عليه بردا وسلاما.
Bogga 12
وقال تعالى: (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين (1) ثم اقتص قصته في قوله تعالى: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا: يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين * ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين * - إلى قوله تعالى - وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا (2) وما كلفه الله تعالى إياه من مفارقة وطنه بالشام لما غارت عليه سارة من أم ولده هاجر، فهاجر بها وبابنه منها إسماعيل الذبيح عليه السلام فأسكنهما بواد غير ذي زرع، نازحين بعيدين منه، حتى أنبع الله عز وجل لهما الماء، وتابع عليهما النعماء، وأحسن لإبراهيم فيهما الصنع. والفائدة النفع. وجعل لإسماعيل النسل والنبوة والعدد والملك هذا بعد أن كان أمر سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام أن يجعل ابنه إسماعيل لسبيل الذبح. قال الله تعالى فيما اقتصه من ذكره في سورة الصافات:
(فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بنى إني أرى في المنام انى أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الآخرين (3) فلا بلاء أعظم من بلاء شهد الله جل ثناؤه أنه بلاء مبين، وهو تكليف إنسان أن يجعل سبيل الذبح ابنه وتكليفه هو والمذبوح أن يؤمنا ويصبرا ويسلما ويحتسبا. فلما أديا ما كلفا من ذلك وعلم الله جل جلاله منهما صدق الايمان، والصبر، والتسليم، والاذعان، فدى الابن بذبح عظيم، وخصلهما من تلك الشدائد الهائلة ومن هذا الباب قصة لوط عليه السلام لما نهى قومه عن الفاحشة فعصوه وكذبوه، وتضييفه الملائكة عليهم السلام فطالبوه بما طالبوه
Bogga 13
فخسف الله تعالى بهم أجمعين، ونجى لوطا وأثابه ثواب الشاكرين، وقد نطق بهذا كلام الله العظيم في مواضع من الذكر الحكيم ويعقوب ويوسف عليهما السلام، فقد أفرد الله تعالى بذكر شأنهما وعظم بلواهما وامتحانهما سورة محكمة بين فيها حسد إخوة يوسف له على المنام الذي بشره الله فيه بغاية الاكرام، حتى طرحوه في الجب فخلصه الله تعالى منه بمن أدلى الدلو ثم استعبد، فألقى الله عز وجل في قلب من صار إليه إكرامه واتخاذه ولدا، ثم مراودة امرأة العزيز إياه عن نفسه، وعصمة الله له منها وكيف جعل عاقبته بعد الحبس إلى ملك مصر، وما لحق يعقوب من العمى لفرط البكاء وما لحق إخوة يوسف من التسريق وحبس أحدهم نفسه حتى يأذن له أبوه، أو يحكم الله له، وكيف أنفذ يوسف عليه السلام إلى أبيه عليه السلام قميصه حتى رده الله عز وجعل به بصيرا، وجمع بينهم وجعل كل واحد منهم بالنعمة مرسورا.
وأيوب عليه السلام وما امتحن به من الأسقام وعظم اللاواء، والدود، والادواء، وقد جاء القرآن الكريم بذكره، ونطقت الاخبار بشرح أمره قال الله تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثله معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين (1) ويونس عليه السلام وما اقتص الله عز وجل من قصته في غير موضع من كتابه العزيز ذكر فيها التقام الحوت له وتسبيحه في بطنه وكيف نجاه الله تعالى وأعقبه بالرسالة والصنع قال الله تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين، إذ ابق إلى الفلك المشحون، فساهم فكان من المدحضين - إلى
Bogga 14
قوله - فمتعناهم إلى حين (1)) ومنها قوله (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين (2) قال بعض المفسرين معنى: أن لن نقدر عليه أي نضيق عليه وهذا مثل قوله تعالى: (ومن قدر عليه رزقه (3) أي من ضيق عليه رزقه ومثل قوله تعالى: (قل) إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين (4) وقد جاء قدر في القرآن بمعنى ضيق في مواضع كثيرة. ومن هذا قيل للفرس الضيق الخطو فرس أقدر. لأنه لا يجوز أن يهرب من الله تعالى نبي من أنبيائه، ومن ظن أن الله تعالى لا يقدر عليه أي لا يدركه، وأنه يعجز الله هربا فقد كفر. والأنبياء عليهم السلام أعلم بالله سبحانه من أن يظنوا فيه هذا الظن الذي هو كفر. وقد روى أنه من أدام قراءة (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين - إلى قوله - ننجي المؤمنين (5)) في الصلاة وغيرها في أوقات شدائده عجل الله له الفرج، وأنا أحد من واظبتها في نكبة عظيمة لحقتني يطول ذكرها عن هذا الموضع وقد كنت حبست وهددت بالقتل، ففرج الله سبحانه وتعالى عنى وأطلقت في اليوم التاسع من حين قبضت.
وموسى بن عمران عليه الصلاة والسلام فقد نطق القرآن بقصصه في غير موضع منها قوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين * - إلى قوله - ولكن أكثرهم لا يعلمون (6)) فلا شدة أعظم من أن يبتلى الناس بملك يذبح أبناءهم، حتى ألقت أم موسى ابنها في البحر،
Bogga 15
ولا شدة أعظم من حصول طفل في بحر فكشف الله سبحانه ذلك عنه بالتقاط آل فرعون له، وما ألقاه في قلوبهم من الرأفة عليه حتى استحبوه، وحرم عليه المراضع حتى رده إلى أمه وكشف عنها الشدة في فراقه وعنه الشدة في حصوله في البحر. ومعنى قوله تعالى: (ليكون لهم عدوا وحزنا (1) أي يصير عاقبة أمره معهم إلى عداوته لهم وهذه لا العاقبة كما قال الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب * وكلكم يصير إلى ذهاب وقد علم أن الولادة لا يقصد بها الموت، والبناء لا يقصد به الخراب وإنما عاقبة الامر فيهما أن يصيرا إلى ذلك. وعلى الوجه الأول قوله تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس (2) أي عاقبة أمرهم وفعلهم واختيارهم لأنفسهم يصيرهم إلى جهنم فيصيرون لها، لا أن الله جل ثناؤه خلقهم لقصد تعذيبهم بالنار في جهنم عز الله تعالى عن الظلم. وقال عز وجل في تمام هذه القصة: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خافا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين (3) فهذه شدة أخرى كشفها الله تعالى عنه وقال سبحانه وتعالى: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون - إلى قوله - من خير فقير (4) فهذه شدة أخرى لحقته بالاغتراب والحاجة إلى الاضطرار في المعيشة والاكتساب فوفق الله له شعيبا عليه السلام وزوجه ابنته قال الله تعالى في تمام القصة: (فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف.
نجوت من القوم الظالمين (5) ثم أخبر الله تعالى في هذه القصة كيف زوجه شعيب ابنته بعد أن استأجره ثماني حجج، وانه خرج بأهله من عند شعيب فرأى النار فمضى ليقتبس منها فكلمه الله تعالى وجعله نبيا وأرسله إلى فرعون، فسأله أن
Bogga 16
يرسل معه أخاه هارون فشد الله عضده به وجعله نبيا معه، فأي فرج أحسن من فرج من أتى خائفا هاربا فقيرا قد آجر نفسه ثماني حج فجوزي بالنوبة والملك قال الله تعالى: (وقال الملا من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض، ويذرك وآلهتك. قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون (1) فهذه شدة أخرى لحقت بني إسرائيل فكشفها الله تعالى عنهم . قال الله تعالى: (وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح (2). (وقال موسى لقومه استعينوا بالله واصبرا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون (3) وقال تعالى: (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون (4).
فأخبر تعالى عن صنعه لهم وفلقه البحر لبنى إسرائيل حتى عبروه يبسا، واغراقه فرعون لما تبعهم فكل ذلك أخبار عن محن عظيمة انجلت بمنح جليلة لا يؤدى شكر الله عليها ويجب على العاقل تأملها ليعرف كنه تفضل الله بكشف الشدائد وإغاثته بإصلاح كل فاسد لمن تمسك بطاعته، وأخلص في خشيته. وأصلح من نيته، ليسلك من هذه السبيل، فإنها إلى النجاة من المكاره أوضح طريق وأهدى دليل. وذكر سبحانه وتعالى في (والسماء ذات البروج (5) أصحاب الأخدود، وروى قوم من أهل الملل المخالفة للاسلام عن كتبهم أشياء في ذلك فذكرت اليهود: ان أصحاب الأخدود كانوا دعاة إلى الله تعالى وإن ملك بلدهم أضرم لهم نارا وطرحهم فيها فاطلع الله على صبرهم، وخلوص نياتهم في دينهم وطاعتهم له فأمر النار أن لا تحرقهم فشوهدوا فيها قعودا وهي تضرم عليهم ولا تحرقهم ونجوا منها، وجعل الله دائرة السوء على الملك فأهلكه.
Bogga 17
وذكر هؤلاء الفوم أن نبيا كان في بني إسرائيل بعد موسى عليه الصلاة والسلام بزمان طويل يقال له دانيال، وان قومه كذبوه فأخذه ملكهم بختنصر فقدمه إلى أسدين كان يجوعهما في جب فلما علم الله تعالى حسن اتكاله عليه، وصبره طلبا لما لديه. أمسك عنه أفواه الأسدين حتى قام على رؤسهما برجليه وهي مذللة له غير ضارة فبعث الله تعالى أرميا من الشام حتى خلص دنيال من هذه الشدة وأهلك من أراد هلاك دانيال.
وعضدت روايتهم أشياء رواها أصحاب الحديث منها: ما حدثوني عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: إن بختنصر جوع أسدين وأطلقهما في جب وجاء بدانيال فألقاه عليهما فلم يهيجاه فمكث ما شاء الله، ثم اشتهى ما يشتهى الآدميون من الطعام والشراب فأوحى الله تعالى إلى أرميا وهو بالشام أن أعدد طعاما وشرابا لدانيال. فقال يا رب: أنا بالأرض المقدسة، ودانيال بأرض بابل من أرض العراق. فأوحى الله إليه أن أعدد ما أمرتك به فسأرسل إليك من يحملك ويحمل ما أعددت ففعل، فأرسل الله إليه من حمله وحمل ما أعد حتى وقف على رأس الجب. فقال دنيال: من هذا؟ قال: أنا أرميا. قال ما جاء بك؟ قال: أرسلني إليك ربك. قال: وقد ذكرني؟
قان نعم. قال دنيال:
" الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، والحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزى بالصبر نجاة، والحمد لله الذي هو يكشف ضرنا وكربتنا، والحمد الله الذي هو يقيننا ورجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا، والحمد لله الذي هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بأعمالنا " وقد ذكر الله تعالى في محكم التنزيل الشدة التي جرت على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار فيما اقتصه من قصة الغار فقال سبحانه وتعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني
Bogga 18
اثنين إذ هما في الغار - إلى قوله - والله عزيز حكيم (1)) وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خاف أن تلحقه المشركون حين سار عن مكة دخل الغار هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه فاستخفيا فيه فأرسل الله تعالى عنكبوتا فنسج في الحال على باب الغار، وحمامة عششت وباضت وأفرخت للوقت، فلما انتهى المشركون إلى الغار ورأوا ذلك لم يشكوا أنه غار لم يدخله أحد منذ حين، وإن النبي صلى الله عليه وسلم " وأبا بكر رضي الله عنه لير ان أقدامهم ويسمعان كلامهم، فلما انصرفوا وبعدوا وجاء الليل خرجا فصارا نحو المدينة فورداها سالمين.
وروى أصحاب الحديث أيضا في شرح حال النبي صلى الله عليه وسلم في المحن التي لحقته من المشركين من شق الفرث عليه، ومحاولة أبى جهل، وشيبة وعتبة ابني ربيعة، وأبى سفيان بن حرب، والعاص بن وائل، وعقبة ابن أبي معيط وغيرهم لعنهم الله تعالى قتله وما كانوا يكاشفونه به من السب، والتكذيب، والاستهزاء، والتأنيب ورميهم له صلى الله عليه وسلم بالجنون، وقصدهم إياهم غير دفعة بأنواع الأذى، والفضيحة والافتراء، وحصرهم إياه صلى الله عليه وسلم وجمعهم بني هاشم في الشعب وتخويفهم إياه، وتدبيرهم أن يقتلوه حتى بعد، وبيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكانه وعلى فراشه ما يطول ذكره واقتصاصه، ويكثر شرحه، ثم أعقبه الله عز وجل من ذلك بالنصر والتمكين، وإعزاز الدين وإظهاره على كل دين، وقمع الجاحدين والمشركين، وقتل أولئك الكفرة المعادين والمعاندين، وغيرهم من المكذبين الكاذبين الذين كانوا عن الحق ناكثين، وبالدين مستهزئين، وللمؤمنين ناصبين متوعدين، وللنبي صلى الله عليه وسلم مكاشفين محاربين، وأذل من بقي منهم بعز الاسلام، بعد أن عاد بإظهاره، وأضمر الكفر في إسراره، فصار من المنافقين الملعونين، والحمد لله رب العالمين.
Bogga 19
فهذه أخبار جاءت في آيات من القرآن.. نفع الله بها وينفع بها غير إنسان. وهي تجرى في هذا الباب وتنضاف إليه، وروى عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا (1) ثم يقول: يا أبا ذر:
" لو أن الناس كلهم أخذوا بذلك لكفاهم ".
حدثنا علي بن أبي طالب باسناده قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنى فلان أغاروا على فذهبوا يا بنى وإبلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن آل محمد لكذا وكذا ما في بيتهم مد من طعام فاسأل الله تعالى. فرجع إلى امرأته فقالت له: ما قال لك؟ فأخبرها. فقالت: نعم ما ردك إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما لبث أن رد الله عليه إبله أوفر مما كانت وابنه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأمر الناس مسألة الله عز وجل والرجوع إليه والرغبة وقراءة (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * يرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا (1).
وسئل أبو الدرداء عن هذه الآية (كل يوم هو في شأن (2) فقال:
سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من شأنه يغفر ذنبا، ويكشف كربا، ويرفع أقواما، ويصنع آخرين.
وأخبرني محمد بن الحسن بإسناد طويل قال، سمعت سعيد بن عنبسة يقول: بينما رجل جالس وهو يعبث بالحصا ويحذف به إذ رجعت حصاة منها عليه فصارت في أذنه فجهدوا بكل حيلة فلم يقدروا على إخراجها فبقيت الحصاة في أذنه مدة وهي تؤلمه فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع قارئا يقرأ
Bogga 20