3
في الصحو نكون قادرين على التفكير المجرد، في النوم نفقد هذه القدرة مع فقدان الذات الواعية. أثناء الحلم نحول الأفكار المجردة إلى صور متتابعة بصرية أو سمعية؛ التشابه بين صورتين أو حالين مثلا قد يتم نقله عن طريق تواليهما. في الكتابة أيضا إن سيطرت عليك فكرة مجردة بشكل كبير، ولم تتمكن من تحويلها إلى عناصر وعلاقات تناسب الشكل الفني الذي تكتب فيه، فأنت ببساطة تكتب مقالا. في الكتابة الأدبية لا بد أن تلتفت إلى قوانين وحساسيات الشكل الذي تكتبه، وقد يكون من المناسب أن تتراجع الأفكار المجردة، التي قد تكون أحيانا هي الحافز الأصلي للكتابة، إلى الخلف قليلا.
المنطق المختلف للحلم يكون قادرا - من خلال ما يتميز به من تكثيف شديد - على التعبير عن علاقات ومعان قد تغيب عنا أثناء اليقظة، ربما لأن تركيزنا يكون منصبا على زاوية نظر واحدة بعينها، أو ربما لأننا نكون أقدر أثناء النوم على استدعاء ذكريات قد لا نكون على وعي بها أثناء اليقظة والاستفادة منها. لعل من المفيد هنا للتوضيح ذكر القصة المشهورة لاكتشاف حلقة البنزين، يذكر «أوغست كيكولي
August Kekulé » أنه بعد حيرة طويلة امتدت لأعوام أثناء محاولته فهم الكيفية التي تترابط بها ذرات الكربون معا، اكتشف الشكل الحلقي لجزيء البنزين نتيجة لحلم راوده، رأى فيه ثعبانا يأكل ذيله، استلهم منه حل اللغز الذي أرقه لفترات طويلة. أما استفادة الشعراء والفنانين من الأحلام، واستغلالهم للرؤى التي تراودهم فيها كمصدر إلهام فهو أمر شائع ، لا أظنه يحتاج إلى أمثلة لتوضيحه.
4
هناك دائما ما يمكن أن يتعلمه الكتاب من الأحلام، هناك تشابهات وتوازيات من المفيد التأمل فيها وملاحظتها بين الكتابة والحلم. أثناء الكتابة، وخصوصا أثناء كتابة الشعر، من المفيد أحيانا أن تؤجل التحكم العقلي فيما تكتب قليلا، ترخي الزمام للأفكار حتى تندفع دون رقابة، ثم تتأملها في تتابعها، ووقتها قد تكون قادرا على تنظيم ما بدا عشوائيا للوهلة الأولى في كتابة وصور متماسكة ومبتكرة. أتحدث عن تأجيل تحكم العقل لا إلغائه؛ لأني أرى أن الكتابة لا تشبه الحلم تماما، ربما تشبه أكثر ذلك الرجل الذي استيقظ من نومه للتو ليحكي حلمه الذي راوده، موضحا ومتأملا فيه بعين المتيقظ.
5
في النهاية قد لا تكون هناك حاجة للإشارة إلى دور اكتشاف «فرويد» للاوعي، وأهمية وثورية كتابه عن تفسير الأحلام؛ فهذا الدور أشهر من أن يغفل. ومن المعروف الأثر الكبير لأفكاره على مجالات مختلفة، منها الكتابة، التي كان أبرزها ظهور المدرسة السوريالية التي كانت أفكار فرويد أحد روافدها المهمة. أعلت السوريالية من شأن اللاوعي والتفتت إلى الحلم كمنبع شديد الثراء ووسيلة للوصول إلى تبصرات وإيحاءات جديدة ومتفردة.
طرق الكتابة الجانبية
1
Bog aan la aqoon