37

Fanka Mucaasirka: Soo Koobid Kooban

الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا

Noocyada

يرغب ديف هيكي أيضا في أن يسترخي المشاهد ويستمتع بالفن، وعلى وجه الخصوص أن ينسى شرور السوق. يضم كتابه «جيتار هوائي» التماسا للسماح للفن بأن يزدهر متحررا من التجهم في وجه ما يصفه هيكي بأنه اختراع أمريكي خاص: «سوق فنية كبيرة وجميلة» والتي تعكس ببساطة وديمقراطية الذوق العام. يزعم هيكي في كتابته عن موقف الأكاديميين بلاس فيجاس تجاه مسقط رأسهم «أنهم يرون أن كل شيء يتعلق بالمال، وهو ما أتفق دوما على أنه أسوأ سبيل للتمييز بين الأفراد، لكني أخالفهم الرأي بشأن بقية النقاط الأخرى.» ومن ناحية بديل السوق، الذي تولد في كنف تمويل الدولة للفنون ويجري الترويج له في الأوساط الأكاديمية، هو ثقافة ذات إدارة حكومية، سليمة من الناحية السياسية، ومصونة من الناحية النظرية، تتألف من ««نقد للتمثيل»، ويكون في صميمه نقدا للحكومة النيابية؛ أي تأييد صريح لشرطة ثقافية حكومية جديدة.»

استخدم هيكي أسلوبه البياني الرفيع في دعم فكرة أن «الديمقراطية» تتجسد في آليات السوق، بحيث تحدد قوانين العرض والطلب التراتب الهرمي للأسعار، الذي يعكس في الحقيقة ما يريده الناس من الفن. إن هذه الرؤية ترتبط على نحو عام بالاتجاه القياسي للفكر الليبرالي القائل بأنه لا يمكننا أن تحظى بديمقراطية في غياب السوق. إنها قضية أخرى، مع ذلك، أن تقول بأن السوق يمكنها أن تؤدي دورا بديلا للديمقراطية. إذا كان هذا ادعاء مريبا حتى عند تطبيقه على الأسواق الحرة، فتطبيقه على السوق الفنية - وهي كما شاهدنا سوق عتيقة ومحكومة ومقيدة بدرجة كبيرة - أمر سخيف.

لكي يظهر هذا الرأي معقولا إلى حد بعيد، كان على هيكي الاعتقاد بأن التميز الثقافي ليس له أهمية، وأن النظر إلى الفن لا يتطلب مهارة أو تعليما خاصا، وأن الدخول إلى عالم الفن هو أمر تطوعي تماما (إذا أردت الدخول، فستدخل). إنها نظرة مثالية على نحو مؤثر ليؤمن بها شخص مطلع على أسرار العالم الفني، وبريئة على ما يبدو من آليات التميز الاجتماعي والمال والسلطة. يود هيكي أن يجعلنا نؤمن بأن: «كل فرد» في هذه الثقافة يعي حرية تفويض الفن وإجازته، بعبارة بسيطة: «إن الفن ليس بمستعص على الفهم.» وفيما وراء الميل للاستجابة والإذن لفعل ذلك، ليس هناك شروط مسبقة للنظر إليه.

هناك أجزاء من الحقيقة في هذا الرأي: إن الفن بوصفه مهنة ليس محميا من الدخلاء على غرار الطب أو المحاماة أو الهندسة، فتقدير الفن ليس حتما بمستعص على الفهم، وبمقدور الناس فهم أشياء عنه بمجرد التعرض للمجال العام للثقافة التجارية. مع ذلك، يعد العامل المحدد الأكبر لارتياد المعارض هو التعليم (كما رأينا)، وهذا يعود جزئيا إلى أن الفن على كل المستويات (من الأكاديمية إلى التجارية) يعرف نفسه في مقابل الثقافة الجماهيرية. وفي فعله ذلك، يستخدم بانتظام إشارات مرجعية معقدة لتاريخ الفن تتطلب معرفة متخصصة لدى مشاهديه. هيكي نفسه، وهو بعيد كل البعد عن كونه شخصا عاديا، أمضى سنوات في تحضير الدكتوراه، ومن ثم اجتاز أكبر الحواجز المنيعة أمام الوصول إلى مجال الفن.

يعتبر هيكي نفسه معجبا بالفن، مثلما هو معجب بالروك آند رول، ولا ينبغي أن يزعج معجب الفنون نفسه بكون الفن سلعة أكثر من قلقه حيال شراء أو بيع الأقراص المدمجة. للرد على هذا الرأي، علينا اللجوء إلى ناقد آخر شهير كتب الكثير أيضا عن الروك، وهو ديدريتش ديدريكسون. في فحص ثاقب النظر لحالة نقد الفن المعاصر، يشير ديدريكسون إلى الاختلاف الواضح بين أدب المعجبين والنقد الفني؛ فأدب المعجبين يكتب لهؤلاء الذين سيشترون المنتج على الأرجح، ويساعدهم في تقرير فعل ذلك أم لا ، ونتيجة لذلك، فهو يتسم بالتركيز والذرائعية بدرجة عالية. أما جمهور النقد الفني أجمع تقريبا، فليس أمامه احتمال امتلاك الأعمال التي يقرءون عنها. تؤدي المؤلفات أيضا - في صورها الأكاديمية المتخصصة والشعبية - وظائف أخرى تماما، يكون فيها الحكم على الجودة لا يذكر صراحة على الإطلاق، أو يذكر فقط على أساس أنه استعراض ذاتي للذوق، وبالطبع تندرج مؤلفات هيكي ضمن الفئة الثانية.

أشرف هيكي مؤخرا أيضا على معرض دولي في إطار حملته لإعادة الجمال إلى حالته السابقة والترويج للفن من خلال إزاحة ما يراه اهتماما نخبويا بالخطط السياسية والاجتماعية. كان المعرض - الذي افتتح عام 2001، وهو البينالي الدولي الرابع في «سايت سانتا في» - تحت عنوان متواضع: «المجتمع الراقي: نحو كوزموبوليتانية مفتداة». في الكتالوج الخاص بالمعرض، ذكر هيكي أن ما تذكره الجماهير عن المعارض هو الأجواء (وليس الأفكار)، ولذا فقد عزم على إضفاء لمسة من الفرح والبهجة على كل شيء. تحولت ساحة تخزين «سايت سانتا في» إلى معرض بحدائق ونافذة ضخمة وتفاصيل معمارية مبهرة، وجرى ترتيب الأعمال الفنية في مشاهد جذابة. كان التقيد بالتقاليد في البيناليات الهدف المفترض للاستعادة المنشودة. زعم هيكي أن هذه المناسبات «مكرسة على نحو خاطئ لتسويق أفكار الهوية الإقليمية والصفة الاستثنائية المحلية باللغة المعيارية للممارسة الفنية ما بعد التبسيطية.» أساء هيكي فهم الغرض من مثل هذه المعارض، بالطبع، فقد رأينا كيف تأسست على فكرة الامتزاج والتبادل الثقافي، رغم أن هيكي محق بشأن اللغة الموحدة التي تنتهي فيها كل هذه الاختلافات، وسوء الفهم هذا سمح لهيكي بتزكية نزعة أممية تمتزج فيها الموارد الثقافية وتستهدف في الواقع الافتراضات الأساسية التي تنطوي عليها الدولانية التي يتذمر منها. إن التناقض الفعلي هو سياسي بصورة مباشرة أكثر، ويتضح في الادعاءات غير العادية التالية التي يقدمها هيكي، في حين أن المعارض التي تتعامل مع الهوية الثقافية تنزع إلى أن تتألف من الأعمال الفنية التي تطرح مشكلات، فالأعمال الفنية في معرض «المجتمع الراقي» يتطلع إلى حلها: «إن الحل الواضح للتنافر الثقافي له عواقبه الأخلاقية والفكرية، ومجازاته الاجتماعية ، واستخداماته ، ووظيفته.» (من الغريب أن البراعة العادية لهيكي مع اللغة البسيطة تخلت عنه هنا، ربما تحت ضغط سخافة الادعاء.) إن تحول البينالي في معرض «المجتمع الراقي» هو تحول تثقيفي. في سبيل الحفاظ على الاحتفاء بالامتزاج، بدل الاستجابة القياسية للعمل من إيجابي إلى سلبي، لكن بأثر دعائي مماثل، يحبذ البينالي التقليدي التعددية الثقافية ويتذمر من أن الحواجز العتيقة والمتحفظة للتجارة والتبادل الثقافي تعيق تقدمه، لكن معرض «المجتمع الراقي» افتخر بنجاحاته الحالية والجمال الذي تولد عنها.

عدد الفنان رينيه جرين بعضا من العبارات المبتذلة بالعالم الفني الحالي، والتي تجسدت في تفكير هيكي: (1)

لا حدود للفن. (2)

إن التفكير يسبب زيادة الجدية وتناقص المرح والجمال، اللذين يعادلان المتعة الجمالية. (3)

أن تفكر يعني أن تفكر أكثر من اللازم، وهو ما يتعارض مع التجريب (الذي يرى بلغة ثنائية ومن ثم يرتبط بالإحساس؛ أي إن الإحساس/التجريب مقابل التفكير).

Bog aan la aqoon