32

Fanka Mucaasirka: Soo Koobid Kooban

الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا

Noocyada

في هذه البيئة التي يحتدم فيها التنافس، ميزت المتاحف نفسها بعلامات تجارية. من أبرز الأمثلة على ذلك مؤسسة جوجنهايم ، وهي امتياز عالمي للمتاحف، ومن أشهر فروعها جوجنهايم بلباو. توسعت مؤسسة جوجنهايم، تحت إدارة توماس كرينس، بفروع جديدة في برلين في إطار تحالف مع مصرف دويتشه بنك، وبفرعين آخرين تحولا إلى ضحيتين للركود (كما رأينا). كانت أكثر مشروعات المؤسسة جرأة في بلباو، التي كانت مدينة صناعية ثرية في السابق بعيدة عن درب المعالم السياحية، وانقسمت بفعل السياسة الانفصالية، والتي اشتملت على تفجيرات واغتيالات شنتها منظمة إيتا الانفصالية. جاء في الوصف المفصل لكيم برادلي، أن المتحف ارتبط بتطوير ميناء ومطار المدينة وبناء مترو أنفاق بالمدينة، والأهم من ذلك، متاجر التجزئة ومكاتب ومساكن. لقد كان نجاحا فائقا بكل تأكيد في تحويل بلباو إلى وجهة سياحية، وتميزت المدينة بالمبنى النحتي البارز لفرانك جيري، والذي كساه بمادة التيتانيوم. تكبدت الحكومة الإقليمية مبلغا كبيرا، لتغطية كافة تكاليف مشروع جوجنهايم بدءا من وضع التصور للمكان وتصميمه وبنائه وحتى إدارته. أنشئ صندوق اقتناء بقيمة خمسين مليون دولار، مع أن الأعمال التي ستبتاع ستبقى ملكية لمؤسسة جوجنهايم. والأهم من ذلك، كانت هناك رسوم معفاة من الضرائب بقيمة عشرين مليون دولار لاقتراض باقي مجموعة جوجنهايم ولاستخدام العلامة التجارية. وقد جرى التسويق للمعرض للسائحين الأجانب في الأغلب، وكان مدى تعامل المتحف مع اهتمامات إقليم الباسك مثارا لجدل ساخن في السنوات الأولى له. إضافة إلى أن مشترياته وعروضه، رغم المبلغ المالي الضخم الذي منحته الحكومة الإقليمية بغية تشكيل مجموعة إسبانية وباسكية، كانت «لأساتذة» أمريكيين وأوروبيين مشهورين. لقد رأينا أن فن التجهيز في الفراغ يضمن حضور جمهور الفن الملتزم، يستطيع البذخ المعماري فعل الأمر نفسه، وعادة ما يجتمع الاثنان في تضامن؛ إذ يستجيب التجهيز في الفراغ مع بيئته.

من منظور أوسع نطاقا، بالنسبة لمنظمة فنية، فإن مؤسسة جوجنهايم مؤسسة تجارية تتسم بالشفافية بصورة خاصة، فمعارضها تركز على مصالحها المالية. كان معرض «فن الدراجة النارية» الأول ضمن عدد من المعارض التي بدا أنها توفر فرصا للرعاة أكثر من تقديم عرض ثقافي. أما معرض «جورجو أرماني»، الذي أقيم في جوجنهايم نيويورك عام 2000، فكان عرضا إطرائيا يرتبط، كما ظن البعض، بصفقة الرعاية المقدرة بخمسة عشر مليون دولار بين دار أزياء أرماني والمتحف. كان المعرض استعراضا للبضاعة المتوفرة في الوقت الحالي أكثر منه استعراضا تاريخيا لمنتجات دار الأزياء، ولم يقدم العرض أو الكتالوج شيئا يعدو الاحتفاء بتصميمات أرماني. استأجر دار أزياء أرماني، في الواقع، المتحف لعرض إعلانات له.

تشير مشروعات جوجنهايم إلى توجهات أوسع نطاقا؛ فقد ازدهرت العلامات التجارية في الساحة الفنية، فطورت المعارض والمتاحف شعاراتها الجديدة بجهد جهيد منها لطبع السمة الخاصة بالعلامة التجارية لها في أذهان الناس. أسفر استخدام «تيت» بوصفها علامة تجارية (يشن العاملون بالتسويق هجوما منهجيا ضد مواد محددة وغير محددة) عن كيان يفوق فروعها المادية المتعددة، ويحقق تضامنا بين علامات تجارية مختلفة عبر صفقات، على سبيل المثال، لمباركة مجموعة من الطلاءات المنزلية التي تباع عند عملاق بيع المواد التي تحمل شعار «اصنعها بنفسك»، بي آند كيو. يكافح الكثير من الفنانين على نحو مماثل لاكتساب تمييز تجاري، وقليل منهم يحالفه النجاح، لقد أضحت تريسي إمين علامة تجارية تستمد منها أعمالها الفنية. إن مثل هؤلاء الفنانين الذين يمثلون علامات تجارية هم شخصيات مجازية ينفذون، على غرار الإنسان الآلي، سلوكا معينا ومتوقعا إلى جانب نتاجات أخرى. في أحد الاجتماعات حول رعاية الفنون - أقيم بالجمعية الملكية للفنون عام 2001 - عبر ممثل سيلفريدجز عن الأمر بصراحة: إن عرض صور لسام تايلور وود على واجهة المحال التجارية أثناء تجديدها يمثل توحيدا لعلامتين تجاريتين، في صالح كل منهما.

لقد لاحظنا أن رعاية الشركات للمعارض تميل إلى مناهضة المحتوى النقدي أو الراديكالي. إن تمييز المعارض بعلامات تجارية لا يزال يمثل قوى أكثر فاعلية في إخماد الفكر النقدي. إذا أضحت الدار التي تعرض الأعمال الفنية شعارا استثنائيا (يظهر على أكياس التسوق والحلي الصغيرة التي تباع بمتجر المتحف)، وإذا كان المتحف قد صنع على نحو باهظ الكلفة نمطا تسويقيا لنفسه يتسم بألوان وخطوط وصور معينة تشكل هوية العلامة التجارية، فإن محتويات المتحف هي الأخرى مميزة بعلامة تجارية بصورة ضمنية، حتى من خلال المواد التي تطلق عليها تسمية أو تشرح معلومات عنها. إن الاتجاه هنا هو إنتاج عروض تستعرض عملا بعد الآخر بتزكية متساوية، كما لو أن الأعمال الفنية لا تتنافس أو تتعارض فيما بينها أبدا. تحظى محتويات المتحف بغطاء تأميني، وهي تكتسب تمييزا تجاريا بإدراجها الفعلي تحت الغطاء التأميني.

مع استيعاب المتاحف والمعارض الفنية للممارسة التجارية وبحثها عن جماهير أعرض وأكثر تنوعا، تغير طابعها. يقول بورديو في كتاب «حب الفن» عن المتحف الأوروبي في أواخر الستينيات الذي لم يكن تغير بعد، فارضا على مشاهديه فكرة أن ما يختبرونه هناك شيء مختلف أيما اختلاف عن الحياة اليومية: ... تعذر لمس الأشياء، والصمت الروحاني الذي يفرض نفسه على الزوار، والجمالية المتزمتة لوسائل الراحة، القليلة دائما وغير المريحة نوعا ما، والغياب شبه المنهجي لأي معلومات، والهيبة العظيمة للزخارف والاحتشام ...

إن زيارة متحف تيت مودرن كافية لإدراك قدر التغيرات التي وقعت؛ فلا تزال الدراما المعمارية تعمل على الترسيخ في ذهن المشاهد أهمية ما يراه، لكن النتيجة ليست مؤثرة. وتكتظ المعارض، التي تلعب دورا ثانويا بالنسبة لوسائل الراحة ومساحات التجوال، بالناس الذين يجدون سعادة في التعبير عن أنفسهم، فالمعلومات غزيرة وهناك مجالات، على الأقل، يشجع فيها التفاعل.

هذه التغيرات كانت من بين أسباب انفتاح الحيز المغلق للفن أمام عمليات العرض السلعي. يضغط توجهان من التوجهات التي تفحصناها في هذا الفصل في اتجاهين معاكسين: الإتاحة والأنماط الأكثر نموذجية للتسليع نحو الاندماج الجزئي على الأقل مع الثقافة التجارية، والمهنية الأكاديمية للفن نحو الاستقلالية والخطاب النخبوي. إن تدخل الدولة يخفف من حدة هذا التناقض؛ وذلك لأن الغرض الفعلي من المهنية، في المتاحف على الأقل، هو الاتصال العام الفعال.

ثمة مجالات تصل فيها استخدامات الدولة والمؤسسات التجارية للفن إلى توتر أكبر. تسعى الدولة إلى مجابهة تفريغ الديمقراطية من محتواها وتراجع الروح الاجتماعية التي تسببت فيها النزعة الاستهلاكية الجامحة، وهي النتيجة ذاتها لأفعال المؤسسات التجارية. إن الغاية الرئيسية للمؤسسات التجارية بيع سلع لجمهور يزداد ولعا بالانتقاد، ويرتاب في أساليب التسويق التقليدية، كما أن منحنى سياسات الدولة يسير في اتجاه الاحتواء الاجتماعي وتوسيع نطاق جمهور الفن. تكمن مصالح المؤسسات التجارية في السمة الحصرية للفن في حد ذاتها والارتباط بالنخبة والمشاهير، وهو شأن مميز يكسبها مصادقة الثقافة الرفيعة والوصول إلى أرباح وتغطية إعلامية باستمرار، وكلما أصبحت تلك العلاقة أكثر شفافية، تلوث الفن بفعلها، فيبدو أنه ليس سوى جزء آخر من المسار العام للثقافة الجماهيرية بأداتها المرهقة للدعاية والشهرة. لا شك أن جلب مادونا لإعلان جائزة تيرنر بمتحف تيت عام 2001 كان الهدف منه إكساب الحدث شهرة أكبر، وبالمثل إعلاء شأن نجمة البوب في غضون ذلك بربطها بالثقافة الرفيعة. مع ذلك، تجلت النتيجة في إدراك كل متفرج لموقعه، داخل النطاق المألوف تماما للثقافة الجماهيرية، ولعبت الأعمال الفنية المعروضة دور إلهاءات مشوقة إلى حد ما للمشهد الرئيسي الخاص بالسلوكيات السيئة للنجمة المتعطشة للشهرة.

إن حروب العلامات التجارية في التسعينيات جعلت الفن عنصرا أشد أهمية في إدارة الصور التجارية، ربما يمكن لهذا الحط من مكانة الفن أن يستمر فحسب؛ فالمؤسسات التجارية التي تهتم بصورتها العامة أو المشاركة في «الصناعات الثقافية» لا يمكن أن تترك ميزة المساهمة في الفنون لمنافسيها. وعلى نحو نظامي، لا يسع المؤسسات التجارية سوى الاستمرار في تقويض استقلالية الفن، وهي الأساس الفعلي لجاذبيته.

يتمثل التناقض الجوهري في أن الفن الرفيع، من حيزه المنغلق العتيق والمصون، يروج للقوى الفعلية للنيوليبرالية، والتي إذا طبقت على الفن ستؤدي إلى تدميره. يشير بنجامين بوكلو إلى أن النموذج الثقافي الذي تؤيده الدول أصبح مؤسسيا، كما ترغب المؤسسات التجارية في تقليل التجربة الجمالية للأزياء؛ وهذا النموذج - كما يذكر بوكلو - يتناقض بشدة مع المبدأ المثالي الديمقراطي للثقافة الذي تعرف فيه العامة نفسها وتدركه. إن أطياف هذه المبادئ المثالية لا تزال تتشبث بالفنون (ويستغلها فنانون أمثال جيليك)، كما أنها تظل ذات أهمية محورية في وجهات نظر الكثير من الناس تجاه الفن، بغض الطرف عن مدى عدم الوفاء بتوقعاتهم بانتظام. إن هذه القضية هي العنصر الأهم في معارضة استخدام الفن كخادم للتجارة والدولة، وسنعود إلى هذه النقطة في الفصل الأخير.

Bog aan la aqoon