31

Fanka Mucaasirka: Soo Koobid Kooban

الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا

Noocyada

إن للرعاية وغيرها من الصفقات الأطول أمدا مع المؤسسات الفنية فوائد واضحة يمكن قياسها للمؤسسات التجارية. هناك اجتذاب لعملاء محتملين يصعب الوصول إليهم: جماهير الفن أكثر ثراء ويتمتعون بقدر أكبر من التعليم في المتوسط من الجمهور العام؛ ومن ثم تقدرهم الشركات كثيرا، كما أن هناك فائدة أخرى تأتي من المظهر الخيري للشركات. كثير من الشركات الراعية للفنون تعاني مشكلات متعلقة بصورة الشركة، وتسعى إلى تحسين سمعتها بالسخاء الثقافي. هذه هي الحال، على سبيل المثال، مع شركة بريتيش بتروليوم في تحالفها الطويل مع مؤسسة تيت. على نحو مماثل، كانت شركة التبغ الألمانية ريمستما راعية لمعرض «دوكيومنتا» التاسع للترويج لسجائر ويست من خلال علب سجائر وملصقات محدودة العدد، وتظهر النماذج في خلفية كتالوج الحدث. كما يمكن استغلال رعاية الفنون واسعة النطاق لتأثير سياسي. يقدم وو رؤية مثيرة للاهتمام عن مكائد شركة السجائر، فيليب موريس، وهي راع رئيسي للفنون في الولايات المتحدة، والتي عارضت - بغير نجاح كما تبين - تشريعا مقترحا مناهضا للتدخين في نيويورك عن طريق التهديد بسحب دعمها للفن كافة من المدينة.

كما أوضح وو وريكتانوس، تجني الشركات الكثير من الفوائد مقابل ما تقدمه من مال؛ لأنها ترعى المعارض - سبعون في المائة من تكاليف المعارض في أوروبا الآن تأتي من مصادر خاصة - فهي تحصل على أغلب الدعاية المرتبطة بتلك المناسبات. أما تمويل الباقي - الأمور غير الجذابة التي تبدأ من فهرسة المجموعات إلى صيانة مصارف المياه - فيقع على عاتق الدولة التي تقدم بنية تحتية مدعمة تعتمد عليها الهبات المحدودة للشركات.

كل هذا له تأثير مباشر على الثقافة. تملك الشركات معايير خاصة لا بد من الوفاء بها قبل تقديمها للرعاية، والمشروعات التي تقع خارج نطاق تلك المعايير لها فرصة مشاهدة ضئيلة، وبالطبع ليست في المعارض البارزة التي تعتمد على الصفقات مع الشركات. يذكر ريكتانوس أن المعايير الأساسية هي: هل مجال النشاط الثقافي يتوافق مع الأسواق الجوهرية للشركة (فمن غير المحتمل أن ترعى شركة نايك معرضا لرامبرانت)؟ وهل من المحتمل أن يحظى العرض بتغطية إعلامية جيدة؟ وهل الأفراد أو المجموعات المعنية أهداف ملائمة للدعاية؟

لقد تفحصنا النتائج بالفعل في الفصل السابق، وهي: التأكيد على صورة الشباب، وانتشار أعمال تنسخ جيدا على صفحات المجلات، وظهور فنانين مشاهير، وأعمال تقترب من الثقافة السلعية وعالم الموضة، وتلعب دور عوامل جذب يسيرة للرعاة، وندرة في الأعمال النقدية، باستثناء في ظروف محددة وخاضعة للسيطرة. بالطبع، إن الشهرة المجددة مؤخرا لهانز هاكي هي مثال على ذلك؛ حيث جرى في منتصف التسعينيات استعراض أعمال هذه الشخصية الموقرة من الماضي السياسي الراديكالي للفن المفاهيمي كتحفة أثرية منعزلة، الأمر الذي حمل معه (عكس نواياه بلا شك) نفحة ثقيلة من حنين آمن وواهن إلى الماضي.

ينزع الرعاة إلى إنتاج أعمال مذهلة وباهظة التكلفة، يعد فيها الإنفاق سمة جلية. إن هذا الاستهلاك التفاخري يؤكد على أهمية الفنان والمتحف والجهة الراعية في آن واحد، وهو يمثل قوة أخرى تحفز فنون التجهيز في الفراغ والفيديو الضخمة وغيرها من عروض التكنولوجيا المتقدمة. علاوة على ذلك، عندما تقدم المؤسسات التجارية الضخمة الرعاية أو تقيم تحالفات مع مؤسسة فنية، فهي تتوقع - في ضوء مداها العالمي وتوقعها الخاص بوفورات الحجم - المشاركة في ثقافة متعددة الجنسيات، وهذا ضغط مألوف آخر على الهيئات الفنية لجعل عروضها ذات نسيج هجين.

تأمل المؤسسات التجارية إعلاء شأنها من خلال الارتباط بما لا يمكنها تجسيده، بما في ذلك العبث الحر في الفن الرفيع. كما يقول الشعار المشهور لشركة فيليب موريس الآن: «الفن ضروري لبناء شركة عريقة.» في الوقت نفسه - كما شاهدنا - تسعى الشركات جاهدة إلى اكتساب سمات إبداعية وثقافية. ذكر ريكتانوس أن حديث الشركات عن الفنون يسهم في إجازة الشركة باعتبارها تملك الإبداع، وكونها راعيا أو تاجرا أو - على الأقل - سمسارا وجامعا للأعمال الفنية، وكجزء لا يتجزأ من جمهور الفن؛ الجماعة التي ينبغي أن تروق لها الفنون. إذا ساعد الفن المؤسسات التجارية في هذه الأنشطة المتعلقة بتحسين صورتها والتي من شأنها زيادة الأرباح، فإن المخاطرة تكمن في أنه إذا أضحت هذه العملية واضحة أكثر مما ينبغي، فسيفقد الفن تشبعه بالاستقلالية التي تمنحه المكانة التي تخول له تنفيذ هذه الوظيفة.

تتمم مطالب الدولة مؤخرا من الفن تلك الخاصة بالمؤسسات التجارية، فكلتاهما لها اهتمامات مشابهة في تعزيز الهدوء والتماسك والاحترام الاجتماعي في وجه رياح الدمار الإبداعي التي تسبب فيها النظام الاقتصادي الذي تلتزم الدولة بالترويج له باستمرار. تنظر حكومة حزب العمال في بريطانيا إلى الفن باعتباره وسيلة لتعزيز الاقتصاد، لا سيما فيما يسمى «الصناعات الإبداعية»، ومساعدا على التنمية الإقليمية، وعقارا اجتماعيا لمداواة الصدوع الاجتماعية المسببة للشقاق والتي حدثت نتيجة السنوات الطوال من حكم المحافظين. ينبغي أن ينعم الفن بالجودة دون أن يكون نخبويا، ويجب أن يجذب جماهير جديدة ومتنوعة. ثمة خطوات مماثلة في الولايات المتحدة، حيث ظهرت تبريرات لتمويل المنحة الوطنية للفنون - والذي طالما تعرض لهجوم السياسيين المحافظين - مؤخرا أساسها أن الفن له أدوار يلعبها في البرامج الاجتماعية، من بينها خفض الجريمة، والإسكان، والتعليم. تتمثل خطورة مثل هذه الخطوات في كشفها عن الدور الذرائعي للفن، وهي أيضا تكشف بوضوح شديد للغاية العلاقة بين الفن والدولة، والتي من المفترض - رغم كل شيء - أن تبنى على المثالية والقيم الإنسانية الخالدة. إذا مولت الدول الفنون بغية الإعلاء من نفوس المواطنين، فإن هذا التأثير يتحطم إذا جاب مستهلكو الفن تلك المعارض يفكرون في الاستراتيجيات الإعلانية والتنمية الإقليمية، أضحت هذه الأفكار لا يمكن تجنبها بصورة متزايدة. يستطيع الفن الوفاء فقط بالمطالب الذرائعية للشركات والدولة إذا أخفى المبدأ المثالي الخاص بالحرية وظيفته، ودعم بحق انفصاله النوعي عن التجارة الحرة.

تشعر الدولة والشركات بالرضا عن وضع الفن بعيدا عن نطاق مضاعفة الأرباح المجردة؛ فلدى شعوب كثيرة، تلعب الدولة دورا كبيرا في جمع الأعمال الفنية وعرضها، بما يلقي بظلاله على تحديد الذوق ومسار الكتابة الفنية. إذا كانت الأعمال الفنية سلعا حقا شأنها شأن غيرها، ينبغي أن تكون الحكومات راضية عن ترك شرائها والاحتفاظ بها وتصريفها لقوى السوق. ورغم الاعتقاد أن السلع تقسم الهوية وتحددها أيضا، بما يروق لدوافع متنافسة لدى الفرد، فإن ثمة افتراض مثير للريبة بأن العمل الفني داخل المتحف يشكل الترابط الاجتماعي حتى مع احتفائه بالاختلاف، ويعزز الذاكرة الجماعية حتى مع إعادة صياغته للمراجع المتنوعة والمتباينة وإعادة تجميعها.

إن نمو المتاحف في جميع أنحاء العالم على مدار التسعينيات لم يسبق له مثيل، من بين الأمثلة الكثيرة على المتاحف الجديدة: متحف تيت مودرن، ومتحف هيوستن للفنون الجميلة، ومتحف شيكاغو للفن المعاصر، ومتحف جوجنهايم في بلباو. حدد أدريان إليس على نحو مقنع بعضا من الأسباب المحتملة وراء ذلك؛ أولا: لطالما كانت المتاحف سبيلا للتعبير عن المكانة الاجتماعية التي تمنحها الثروة، وفي التسعينيات أضحت تلك الثروة أكثر تركيزا؛ من ثم فعل الأغنياء ما فعلوه على الدوام، الفارق أنهم باتوا أكثر غنى الآن. ثانيا: تلعب المنافسة القومية والإقليمية دورا ، وقد تفحصناه بالفعل. ثالثا: تحتاج البرامج الجديدة التربوية والترفيهية في المتاحف إلى مساحات أكبر. رابعا: إن أنماط قضاء وقت الفراغ المتغيرة تعني التردد على المتاحف أكثر. أخيرا: تخلق توسعات المتاحف المنافسة بين المتاحف نفسها، فالبقاء على الحال نفسها فيما يتوسع كل شيء محيط لا يبدو خيارا جذابا. يستطرد إليس في جداله بأنه في ضوء حالة المتاحف التي ينقصها المال الكافي باستمرار الذي يجعل من الصعب عليها صيانة المباني والاحتفاظ بفريق العمل، غالبا ما يتم اللجوء إلى هذا التوسع من منطلق حالة الضعف. تعتمد المتاحف على الإعانات المتضائلة بوجه عام من الدولة، والرعاية أو غيرها من الاتفاقيات مع الرعاة والشركات. من بين أكثر السبل شيوعا لإعادة التمويل تقديم عروض محبوبة للغاية، والتوسع؛ فالحصول على تمويل خاص لمشروعات توسعية جذابة أيسر كثيرا من دعم الإدارة الاعتيادية للمتحف. تكمن الصعوبة في مسألة التوسع في أنه على المدى البعيد، ما لم يحقق البرنامج نجاحا كبيرا بحيث يولد فرص تمويل أخرى كثيرة، يفاقم المشكلة الضمنية؛ مما يترك المتحف بمبان أضخم تحتاج إضاءة وتدفئة وفريق عمل وصيانة. حث الازدهار الاقتصادي إبان التسعينيات على مزيد من توسعات المتاحف، فمع الارتفاع السريع في البورصة أضحت المتاحف بصورة مباشرة وغير مباشرة على حد السواء أكثر ثراء. لقد أحدث الركود الأخير توقفا كبيرا في الكثير من البرامج - من بينها تلك الخاصة بمتحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون ومتحف ويتني ومتاحف أخرى - وإغلاق فرعين لمتحف جوجنهايم، في منطقة سوهو بنيويورك ولاس فيجاس.

من نتائج هذا النمو الهائل، بوضوح، تحفيز إنتاج الأعمال الفنية. كما أوضح هاورد بيكر، لم نصادف يوما متاحف فارغة نتيجة لنقص الأعمال الفنية الجيدة بدرجة كافية لعرضها؛ لذا لا بد أن تتسم معايير الحكم وكم الأعمال المنتجة على حد سواء بالمرونة لملء المتاحف. لقد كان هذا بلا شك حافزا آخر في توسيع النطاق العالمي للفن المعاصر، وهو سبيل رئيسي لتوسيع حيز الإنتاج.

Bog aan la aqoon