لماذا هذا الامتصاص وهذا النبذ؟ هو غاية وسبب معا، هو خضوع للتفاعل الكيماوي - الألفة الكيمية - الجاذبية.
ولأن سطح الخلية الكروي الخارجي ملابس للبيئة، والتفاعل الأول يقع بينه وبينها، فلا بد أن تكون جزيئاته مختلفة ولو بعض الاختلاف عن جزيئات داخل الخلية، وطبيعة هذا التفاعل تجعل ذلك السطح كغلاف أمتن مما هو ضمنه وأقبل للامتصاص، وهكذا تقضي سنة التطور أن تكون وظيفة هذا الغلاف الامتصاص والنبذ، وحماية الداخل من التفاعلات المنافية لمصلحة الخلية التي لا يستطيع داخلها أن يتوقاها كما يستطيع الغلاف اتقاءها، وهكذا يصير جسم الخلية ذا عضوين مختلفي الوظيفة، الخلاف الذي وصفناه، والنواة التي وظيفتها الرئيسية العمل الكيماوي المنمي بالتجديد والتحول
Metobolism & Katabolism
وبينهما مجرى السائل الذي يحمل المواد الداخلة والمواد المنبوذة.
وما دامت البيئة المختلفة ذات عوامل مختلفة في أحوال مختلفة، فلا بد من تنوع مناطق الجسم أو أجزائه بوظائف مختلفة؛ لكي تقابل مفاعيل البيئة وتنتفع بها، وهذا التفاعل المنوع يسبب تنوعا يضاهيه في العمليات الكيماوية، وكذلك تتنوع جزيئات الأجزاء المختلفة الوظائف. كذا نشأت أصناف البروتايينات والكربوهيدرات والدهنيات على تمادي الزمان بحكم قانون التطور، ففيما كانت الجزيئات تتجمع في هلام كانت تتنوع في بروتوبلاسم. •••
ليس غرضنا من هذا الفصل الاسترسال في وصف العمل الحيوي والتطورات التي تتعاقب على البروتوبلاسم وتنتج أنواعا، فإن هذا البحث من خصائص البيولوجيا، وإنما غرضنا أن نستقصي سر الحياة إلى أعمق ما يستطاع، وفيما استقصيناه من بيئة الذرات الأربع التي تتألف منها جزيئات البروتوبلاسم لم نجد إلا تفاعلات كيماوية متوالية متعاقبة خاصة بالعناصر الأربعة، تحت تأثير حرارة معتدلة وتأثير تشععات الشمس المختلفة.
وقد رأينا أن الدور الأهم في هذه التفاعلات هو الدور الذي يلعبه الكربون؛ لأنه لولاه لما أمكن تكون البروتايينات، ويليه في خطر الشأن الدور الذي يلعبه النتروجين بنشوزه وشذوذه.
فهل سر الحياة هو في الألفة الكيماوية التي تتلاعب بهذه العناصر الأربعة، أم هو في هذه الألفة مع شيء آخر يستخدمها ولا زلنا نجهله؟ ربما كان الكيماوي يقتنع بأن الألفة الكيماوية هذه كافية لإصدار الحياة؛ لأنه لا يرى شيئا آخر غيرها وراءها، وربما كان غير الكيماوي لا يرتاح إلى هذا التعليل؛ فتبقى الحياة سرا غامضا له، فإذا صح أن الحياة ألفة كيماوية بين 4 عناصر خاصة تحت تأثير حرارة خاصة وتشععات خاصة أيضا، فتكون قد ظهرت على الأرض صدفة؛ أي غير مقصودة في الوجود المادي، ولا هي مضمرة في الفوتونات التي تألفت منها البروتونات والإلكترونات.
وأما القول أن وراء العامل الكيماوي عاملا آخر سماه «برغسون»
Elan Vilal ؛ أي «الحماسة الحيوية» فما هو إلا تعبير آخر لمعنى العامل الحيوي، ولكنه لا يفسر هذا العامل بل يبقى به غامضا كما كان.
Bog aan la aqoon