وليس مبدأ التفاوت النفسي بين العروق الذي قال به الأنغلوسكسون هو ما عليه الأمم اللاتينية مطلقا.
وفي أمر هذا التفاوت بين مختلف العروق أثبتت المشاهدة إثباتا كافيا كون كثير منها - كالزنوج والبوروج (الحمر)، إلخ - لا يستطيع أن يجاوز مستوى معينا من الثقافة، ويساعد انحطاط جمهورية هايتي التي يسكنها الزنوج حصرا على بيان كون كل عرق لا يقدر أن يبلغ غير درجة من الحضارة مناسبة لدماغه. •••
وما انفك شأن الذكاء يعظم بما أوجبته الحضارات الحديثة من تعقيد في العلم والصناعة، وقد نشأ عن هذا وجود أهمية للتفاوت الذهني أعظم في الوقت الحاضر مما كان له بدرجات، وتصبح الفروق الدماغية بين الأفراد والعامل والمهندس، مثلا، كبيرة ولا يمكن إلا أن تزيد، والحق أن المجتمعات تسير نحو تفاوت متزايد على الرغم من فوز المبادئ الديموقراطية ظاهرا.
وإذا كان هذا التفاوت لا يبدو جليا بعد؛ فذلك لأن سلطان الجموع يلقي وهما حول قدرتها.
ومبادئ المساواة لم تحول السياسة الحديثة وحدها، بل تغير نظريات التربية أيضا، فبما أن التفاوت بين أفراد البلد عينه لا ينشأ عند نظرية التربية إلا عن فروق التربية، فإنه يكفي لبلوغ المساواة أن ينعم على جميع الأولاد بالتربية عينها، فمن مثل هذا الوهم خرج مبدأ المدرسة الواحدة.
وتكون ألمانية أقرب إلى الحقائق كأمريكة، فتقدم بالعكس على تزويد الولد بتربية ملائمة لأهلياته النفسية.
وتنم مساواة النظريين الوهمية، التي يزعمون أنها ترد جميع المواطنين إلى مستوى واحد، على تهديد بالانحطاط، لا على حال تقدمي. •••
وينطوي مبدأ المساواة البسيط نظريا على عناصر معقدة ومتناقضة أيضا.
والواقع أن الحقائق المستترة تحت هذه الكلمة إذا ما حللت أبصر أن مبدأ المساواة يقترن باحتياج شديد إلى التفاوت على العموم، فإرضاء هذا الميل المضاعف من أعظم المصاعب التي تقرع الحكومات، ولم تمض أعوام كثيرة بين الزمن الذي كان روبسبير يساوي فيه بين الناس تحت ساطور المقصلة والزمن الذي أعادت الإمبراطورية فيه ألقاب الشرف.
وكان نابليون على علم تام بحقيقة مبادئ المساواة، فقد قبل منه أصلب اليعاقبة عودا قبول فرح بلغ درجة الهذيان، ألقاب شرف ازدروها أيما ازدراء منذ بضع سنين، ولكن في الظاهر وفي أيامنا تثبت كثرة ملتمسي أوضع الأوسمة التي هي وليدة التفاوت، مقدار اقتران الحاجة إلى التفاوت بالحاجة إلى المساواة.
Bog aan la aqoon