والعلم بعد أن أقصى الأرض إلى المرتبة الوضيعة التي تشغلها في العالم لم يعتم أن ربط الإنسان بسلسلة الموجودات الطويلة التي سبقته.
وقد عقبت نظرية التطور بالتحولات المتعاقبة قديم الأفكار حول التكوين، ذاهبة من مكروب الأجيال الأولى حتى الإنسان، وهكذا حل مبدأ التقلب محل مبدأ الثبات القديم بالتدريج.
وكانت الموجودات الأولى قد كونت من خليات بسيطة صغيرة إلى الغاية مشابهة للمكروبات الحاضرة، وهي لم تلبث أن أدت إلى نباتات أكثر تعقيدا، ثم إلى حيوانات مختلفة كالزحافات والأسماك التي كان بعضها من الضخامة والقوة ما يبيد معه الأخرى، وكان لملوك الخلق المؤقتين هؤلاء وجود ذو ديمومة بالغة الطول أحيانا، ولكن من غير أن تمتد امتدادا مطلقا، وإذا نظر إلى الأرقام التي قدمها مدير المتحف مسيو إ. بيير وجد: «أن العقارب وكلاب البحر تثبت نحو اثني عشر مليون سنة، وأن الخنافس البحرية الكبيرة ترتقي في خمسة عشر مليون سنة ثم تضمحل، وأن خنافس الدقيق أبيدت في آخر الأمر من قبل أصداف أخرى تعرف بالبلمنيت.»
وتلوح آلاف سني الحضارة الثمانية قصيرة الأمد بجانب مثل تلك الأرقام.
وظهر من المباحث الأخرى أنه يجب أن يضاف ما بين خمسين ألف سنة ومائة ألف سنة على الأقل تعرف بما قبل التاريخ، إلى ما بين ثمانية آلاف سنة وعشرة آلاف سنة تعرف بسني التاريخ.
وكان لا بد للإنسان من جميع ذلك الزمن حتى يتخلص ببطء من العالم الحيواني الذي خرج منه، وبما أنه كان يجهل الزراعة والمعادن في ذلك الدور، وبما أنه كان لا يملك من الأسلحة غير قطع من الصوان منحوتة نحتا غليظا، وبما أنه لم يكن له من المساكن غير المغاور، فقد رسم مبادئ عظمته القادمة رسما خفيفا. •••
شكل 1-1: آلات المؤلف التي يقاس بها تقلب الذاتيات البيولوجية المطابقة لتحول الذاتيات النفسية.
شكل 1-2: مزيج من فن البناء يدل على تأثير العروق الأجنبية، ميدان بهات غاؤن، التقط المؤلف صورته في أثناء رياده نيبال، تدل هذه المباني على المؤثرات الصينية أول وهلة.
وعلى الرغم من جميع الاكتشافات لا تزال توجد - كما يلوح - هوة لا تملأ بين الحيوان والإنسان، ولا بد من أن تقطع مسافة جديدة من الفكر ليعرف هل يختلفان ذكاء، ويقوم هذا التفاوت على مقدار هذا الذكاء لا على طبيعته.
وفي العلم الحديث أن الإنسان عاد لا يكون غير آخر حد لسلسلة طويلة من الموجودات التي ظهرت قبله، وهو إذا كان يفوقها في منطقة الحياة العقلية بقي مساويا لها في منطقة الحياة العضوية، وهو لا يمتاز منها إلا قليلا في منطقة الحياة العاطفية كما نذكر ذلك في فصل آت.
Bog aan la aqoon