Falsafada Taariikhda ee Vico
فلسفة التاريخ عند فيكو
Noocyada
ولكن فيكو يرى أن فضائل ذلك العصر الأول كانت مزيجا من التدين والقسوة والوحشية. وهذه الأخلاق نفسها التي تمتزج فيها الخرافة بالقسوة هي التي انحدر منها تقليد التضحية بالبشر وتقديمهم قرابين للآلهة. ويؤكد فيكو أن هذا العصر الأول للشعوب الأممية كان أبعد ما يكون عن البراءة؛ فقد كان عصر التعصب للخرافات، ولكنه يؤكد في النهاية أن الألوهية هي التي حدت من حالة التوحش الأولى. وإذا كان فيكو يزعم أن تقليد التضحية بالبشر وتقديمهم قرابين للآلهة كان تقليدا لدى جميع الأمم الأممية، فإن هذا الرأي ليس صحيحا؛ لأن هناك العديد من الحضارات لم تكن لديها هذه العادة ومنها الحضارة المصرية القديمة.
أما عن الأخلاق في العصر البطولي فقد عرضها فيكو في الفصل الثامن من السياسة الشعرية. وهو في هذا العرض يواصل تأكيده أن هذه الأخلاق البطولية كانت مختلفة تمام الاختلاف عما تخيله الفلاسفة المتأخرون عنها متأثرين بعلمهم وحكمتهم عندما تصوروا مثلا نوعا من العدالة السقراطية لم يكن له وجود، كما تصوروا مجدا نسبوه لكل من أحسنوا للجنس البشري، وتخيلوا أنهم خالدون وكأنما كانت مهمة كل الملوك والأبطال القدماء هي إسعاد الفقراء الذين يمثلون الغالبية العظمى من السكان في كل مدينة أو أمة! ويوضح فيكو على ضوء أمثلة يستقيها من هوميروس ومن الأساطير القديمة؛ أن الأبطال القدماء كانوا أفظاظا قساة القلوب، وأن تربيتهم لأبنائهم بلغت الغاية من الغلظة والبشاعة. ويكفي أن شخصية أخيل - أعظم أبطال الإغريق - كما يخبرنا عنه هوميروس تكشف عن ثلاث خصائص تعارض الأفكار الثلاثة التي تصورها الفلاسفة المتأخرون عن أخلاق الأبطال. ونبدأ بالعدالة فنرى كيف أن هيكتور - البطل الطروادي - اقترح على أخيل أن يقوم المنتصر في الحرب بدفن المهزوم، ولكن أخيل ينسى المصير البشري المحتوم ويشمخ بأنفه على بطل مثله ويجيبه هذه الإجابة الوحشية: «متى تحالف الناس مع الأسود وأين كان الذئاب متفاهمين مع الحملان، إذا قتلتك فسوف أربط جسدك العاري في عربتي وأجره ثلاثة أيام حول أسوار طروادة ثم أقدم جسدك لكلاب صيدي لتأكله.»
15
وهذا ما فعله أخيل بالفعل عندما قتل هيكتور حتى افتداه أبوه العجوز ودفنه بنفسه. أما عن المجد الذي وصفهم به الفلاسفة والعلماء المتأخرون فإن أخيل نفسه يعتبر أن الآلهة والبشر قد عاملوه معاملة سيئة، ويطلب من زيوس أن يرد له اعتباره وشرفه، بل إنه يسحب رجاله وسفنه من جيش الإغريق وبذلك يعرض مواطنيه لمذبحة كبيرة، وكل هذا لأن أجاممنون خطف منه حبيبته. هكذا انتقم من مواطنيه بل أحس بالشماتة في المذبحة التي وقعت لجيش الإغريق ولم يعبأ بمجد الوطن. أما عن رغبة القدماء في الخلود فلم تكن كذلك صحيحة؛ فالأوديسة تروي لنا أن أوديسيوس سأل أخيل إن كان سعيدا في العالم السفلي فأجابه قائلا: «إنه يفضل أن يكون عبدا حقيرا في أرض الأحياء على أن يكون ملكا متوجا في عالم الموتى.»
16
ويتهكم فيكو على تلك الأخلاق البطولية التي كانت هي أخلاق البطل الذي تغنى به هوميروس وجعله مثلا أعلى للفضيلة البطولية. وأقصى ما يقال فيها أنها أخلاق الفرسان المتجولين والمغرورين في العصور البربرية الجديدة.
ثم ينتقل فيكو إلى العصر البطولي الروماني فنجد نفس الشيء ينطبق على فضائل الأبطال ابتداء من نهاية الملكية إلى نهاية الحرب القرطاجية الثانية وهو العصر الذي قال عنه المؤرخ ليفيوس (59ق.م. إلى 17م) إنه لم يوجد عصر مثله أنتج مثل ما أنتج من الفضائل. ولا داعي لأن نذكر الأمثلة العديدة فكلها تدل على أن أبطال الرومان كانوا يرتكبون أفظع الجرائم من حرق وصلب وإعدام ... إلخ باسم الحرية والشرف العسكري ومجد روما. ويتساءل فيكو ماذا فعلوا في سبيل إسعاد العامة؟ لقد أثقلوا كاهلهم بالديون وأغرقوهم في الحروب وحكموا عليهم بالحياة في سجون النبلاء وحرموهم كل القوانين التي ترفعهم فوق مرتبة العبيد. وقد تكرر نفس الشيء في إسبرطة بلد أبطال الإغريق التي حكم على ملكها العظيم أجيس
Agis
بالشنق لمجرد إشاعة رويت عنه. ولا شك أن التاريخ الروماني مع تاريخ إسبرطة يقدمان أمثلة أخرى مذهلة عن أخلاق الأبطال «وتواضعهم» وعدالتهم «ورحمتهم».
17
Bog aan la aqoon