Falsafada Karl Buber
فلسفة كارل بوبر: منهج العلم … منطق العلم
Noocyada
أي من الناحية الفيلولوجية، ليست هناك حدود بين العلم وبين المعرفة، وإن كان العرف الإسلامي قد جرى على أن ينسب إلى الله تعالى العلم لا المعرفة فنقول: «عليم» بينما ينسب إلى العبد المعرفة فقط، وهذه لفتة ثاقبة؛ لأن العلم أرسخ من المعرفة، والعلم - لا المعرفة - هو الذي ينقض الجهل، ولكنها للأسف لم تقنن ترمينولوجيا بما يكفي وحتى المصطلح الفلسفي للعلم يرادف بينه وبين المعرفة؛ فالعلم «هو الإدراك مطلقا تصورا كان أو تصديقا، يقينا كان أو غير يقيني، وقد يطلق على التعقل، أو على حصول صورة الشيء في الذهن، أو على الإدراك الكلي مفهوما كان أو حكما، أو على الاعتقاد الجازم المطابق للواقع أو على إدراك الشيء على ما هو به، أو على إدراك حقائق الأشياء وعللها، أو على إدراك المسائل عن دليل، أو على الملكة الحاصلة عن إدراك تلك المسائل، والعلم مرادف للمعرفة لكنه يتميز عنها.»
17
فكيف لنا أن نميزه؟
إن مشكلة التمييز إذن أساسية في فلسفة العلم، أو على حد تعبير بوبر هي المشكلة الأساسية التي تتفرع عنها كل المشاكل الأخرى في فلسفة العلم.
وعلى هذا تتفق جميع الأطراف المعنية على ضرورة تمييز العلم، على ضرورة الإجابة على التساؤل: ما هو العلم؟ فكيف يمكن مثل هذا التمييز؟
أولا وقبل كل شيء، فكرة التعريف الجامع المانع قاصرة، وهي مستحيلة، فلو قلنا مثلا: العلم هو البحث عن الحقائق، لكانت الجاسوسية علما. أو قلنا: هو بناء نسقي من المعلومات الواقعية، لكانت شجرة العائلة علما ... أو هو بناء نسقي من المعلومات الواقعية المفيدة، لكان دليل التليفون علما ... وهكذا يستحيل وضع تعريف يحصر جميع الأنشطة العلمية ويميزها، وهذا شيء يكاد يكون مسلما به، فهل يمكن مثلا تمييز العلم بواسطة مجموعة من الخصائص، كأن نقول: هو النشاط الذي يتسم: بالعمومية والموضوعية والتجريد والنسقية وثبات الصدق، والتسليم ببعض مبادئ معينة،
18
بالطبع هذه محاولة ليست أقل قصورا من فكرة التعريف، فبغض النظر عن أن العلم ليس ثابت الصدق، وليس هناك أية مبادئ معينة من الضروري التسليم بها، فإنه من الممكن مثلا تناول مشكلة شخصية تناولا موضوعيا، كما يمكن تكميم ميزانية الشركة بل وسائر أنشطتها، ويمكن تجريد خطوط الرسم في لوحة فنية ... إن الصفات كيفية، وهي فضفاضة يمكن أن تجتمع في أي نسق، وهو ليس علميا، لا سيما وأن أنساق العلوم الزائفة تقوم على تنسيق عقلاني خلاب، وإلا فلماذا نخشى اختلاطها بالعلم؟ العلم نشاط دقيق، فلا بد وأن يكون تمييزه على أساس دقيق دقته، إن لم يكن أكثر، بعبارة أخرى: لا بد من تمييز العلم على أساس منطقه، أي منهجه. (2) ولو رمنا مثل هذا التمييز؛ لوجدنا أن نظرية كارل بوبر، تمييز العلم على أساس قابليته المستمرة للتكذيب هي أصوب وأدق ما طرح حتى الآن من معايير لتمييز العلم، والأهم أنها لا تميز فحسب، فنظرية التكذيب - كما سيوضح الباب الثالث - هي أوفى وأشمل دراسة ميثودولوجية للبنية المنطقية للنظرية العلمية، توضح أفضل منهج للتعامل معها، كي نصل بها إلى الصورة المثلى الممكنة. لكل ذلك كانت هي المدخل الأمثل لدراسة نظرية بوبر في فلسفة العلم الطبيعي، لا سيما أنها، كما يقول بوبر نفسه: كانت نقطة البدء في هذه الفلسفة، كما ظلت دائما مركزها.
19
وإن لم يكن بوبر أول من أثارها، فأول من فعل ذلك بوضوح هو إيمانويل كانت؛ لذلك يسميها بوبر مشكلة كانت؛ لأنه أول من انشغل بمشكلة الحدود التي تميز العلم التجريبي، وأول من تساءل عن معيار يحدد العبارات التي تنتمي للعلوم التجريبية، ويميزها عن تلك التي لا تنتمي لها، وتنتمي للميتافيزيقا مثلا. (3) أما الذي جعلها نقطة البدء، فهو أن بوبر قد نشأ في جو يسيطر عليه سقوط الإمبراطورية النمساوية، وقيام ثورات ملأت الجو في النمسا بشعارات وأفكار ثورية ونظريات جديدة، ثار حولها الكثير من الجدل والهراء، لا سيما:
Bog aan la aqoon