Falsafada Ibn Sina
الناحية الاجتماعية والسياسية في فلسفة ابن سينا
Noocyada
مقدمة
ابن سينا فيلسوف خالد من فلاسفة المسلمين، ولم تمنعه الفلسفة من أن يكون رجل سياسة ورجل دولة، فكان له من هذا ما يكون لأمثاله من حظوة ومتعة ونعيم أحيانا، كما كان له حظه أحيانا أخرى من المتاعب والاضطهاد، ذلك بأنه لم ير لنفسه أن يعيش وحده بعيدا عن الحياة العامة كما فعل سلفه العظيم «الفارابي»، بل كان رجلا عمليا أسهم في الحياة العامة بنصيب كبير.
وهذه النزعة العملية جعلته لا يتقيد في تفكيره بمذهب خاص من مذاهب من سبقوه في القديم والحديث، بل - بعد أن استوعب ما سبقه من فلسفات - فكر لنفسه وأخذ يختار من آراء سابقيه ما يوافق ميوله وتفكيره، لا يبالي أين يجد ذلك. ومن أجل هذا نجد في تآليفه سمات وخصائص من المذاهب المختلفة التي عرفها تاريخ الفكر والفلسفة، وإن كانت عبقريته وقوة فكره غطتا هذه السمات حتى لا يكاد القارئ يحس بها، ومن ثم يعتقد بأن كل تفكير فيلسوفنا طريف لم يلتمس منه شيئا لدى غيره من أسلافه.
وساعد على هذا ما يلمسه القارئ في كتابات ابن سينا من قوة الشخصية والنزعة إلى الاستقلال في الرأي والتفكير، حتى لقد أثر عنه أنه كان يقول: «حسبنا ما كتب من شروح لمذاهب القدماء، فقد آن لنا أن نضع فلسفة خاصة بنا .»
وابن سينا بعد هذا شغل الباحثين من بعده الذين عكفوا على كتاباته يمحصونها، وعلى آرائه يدرسونها ويصدرون الأحكام لها أو عليها، بعد مقارنتها بآراء غيره من سابقيه ومعاصريه واللاحقين به، وكانوا في هذا التقدير لآرائه والحكم لها أو عليها بين المقصر والغالي.
على أن هذه الدراسات - أو على الأقل الجانب الأكبر منها - توجهت إليه كطبيب خلد ذكره في عالم الطب بقانونه، وكفيلسوف منطقي وطبيعي وميتافيزيقي أو إلهي.
ومن الذين درسوه في عمق وإطالة من هذه النواحي الأخيرة - ولكن في تجن كبير أحيانا - حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي، وليس هنا طبعا مجال الحديث عن هذه الدراسة التي نجدها في كتاب «تهافت الفلاسفة»، ثم نجد التعقيب القادر عليها في كتاب «تهافت التهافت» لفيلسوف الأندلس الأشهر ابن رشد.
والذي نريد أن نشير إليه هنا الآن هو أن جمهرة الباحثين أغفلوا تماما - أو كادوا - دراسة الشيخ الرئيس كفيلسوف اجتماعي له في هذه الناحية آراء لم تخلق جدتها مع تتابع القرون، ومن ثم تضعه بحق في مصاف المفكرين الاجتماعيين المحدثين في أكثر من ناحية من النواحي الاجتماعية، هذه النواحي التي تجعل موضوع دراساتها الفرد والمجتمع من مختلف الزوايا.
وهذا ما سنلمسه واضحا من تحليلنا للفصول التي اخترنا نشرها من كتابه الشفاء، وهي الفصول الأخيرة من المقالة العاشرة في فن الإلهيات، ومقارنة ما فيها من آراء في الاجتماع والسياسة بما يتصل بها من آراء أمثاله من المفكرين في هذه الناحية.
وقد جعلنا نسخة طهران المعروفة أصلا لهذه النصوص وقابلنا عليها النسخ الأخرى، وهذه النسخة في مجلدين طبع طهران عام 1303ه، وقد رمزنا لها بحرفي «طه»، أما تلك النسخ الأخرى فهي: (1)
Bog aan la aqoon