Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Noocyada
ثم أتى تلميذ سان سيمون وسكرتيره، أوجست كونت مؤسس علم الاجتماع ليضع الصياغة المعتمدة للمذهب الوضعي. انتقد كونت الواحدية المادية، لكنه بالطبع تجريبي اعتبر الميتافيزيقا من مخلفات الماضي، ويجب أن نستبدل بها القوانين العلمية، أي العلاقات الثابتة بين الظواهر، ومن أجل هذا صاغ الوضعية بوصفها أساس ومنهاج ومنطق التفكير في المرحلة العلمية، تعتمد على الملاحظة الحسية وترفض تجاوزها، وتنكر الفلسفة في صورتها التقليدية كرؤية للعالم؛ اكتفاء بالتفكير الوضعي الواقعي المباشر النسبي المقيد بالمعطى التجريبي. وأصبحت الوضعية فلسفة ظاهرية متطرفة، أي مقتصرة فقط على الظواهر البادية للملاحظات الحسية، حتى ذهب كونت إلى أن العلم ذاته وصف محض ولا شأن له بالتفسير، وهدف العلم هو التنبؤ، وإنجاز هذا الهدف يعتمد على الوصول إلى قوانين تعاقب الظواهر وفقا للعلية.
وظلت الوضعية حاضرة قوية في الفلسفة الفرنسية بفضل أتباع كونت المخلصين، خصوصا إميل ليتريه وبيير لافيت. اعتبر ليتريه
E. Littre (1801-1881م) نفسه من أشياع الفلسفة الوضعية، وأصدر عام 1867م مجلة «الفلسفة الوضعية» التي استمرت حتى عام 1883م، لكنه يعرض الوضعية لمنظار النقد ويعدد مناقصها في مجالات الأخلاق والجمال وعلم النفس، ويعدل ويرفض بعض جوانبها خصوصا منظورها السياسي. من ثم كان لافيت
(1823-1903م) أكثر تكرسا للوضعية. وتحت تأثير تنميط كونت الثلاثي لمراحل تطور الفكر البشري، أخرج لافيت كتابه «الأنماط الكبرى للإنسانية»، ومثلما وضع كونت «محاضرات في الفلسفة الوضعية» وضع لافيت كتابه «دروس في الأخلاق الوضعية». وكما أشرنا حين الحديث عن جورج سارتون (في الفصل
الأول ) فإن تنميط كونت لمراحل الفكر البشري من المرحلة اللاهوتية إلى المرحلة الميتافيزيقية وصولا إلى المرحلة العلمية الوضعية، يوعز أهمية تاريخ العلم. وقد أنشئ كرسي التاريخ العام للعلوم في الكوليج دو فرانس عام 1892م من أجل بيير لافيت، شغله حتى وفاته عام 1903م، وكان قد أصدر «المجلة الغربية
Revue Occidental »
4
عام 1878م؛ لتكون معبرة عن الفلسفة الوضعية بوصفها اتجاها عاما للحضارة الغربية.
والواقع أن الوضعية إلى حد كبير هكذا، لقد صيغت في فرنسا كتجسيد لروح العلم التي انتشرت في أوروبا، فلا تنفصل البتة عن اتجاه جون ستيوارت مل وهربرت سبنسر في إنجلترا أو اتجاه أفيناريوس وماخ في ألمانيا وأمثالهم، وسوف نعرض لهم لاحقا. ولكن الآن - في تلك الحقبة من القرن التاسع عشر - قد نشأت فلسفة العلم، وفي سياقها كمبحث تخصصي، ثم احتواء الروح الوضعية في إطار صورة أكثر منهجية، تعرف بالنزعة الاستقرائية، وهي بالنسبة لنا بيت قصيد.
ثانيا: نشأة فلسفة العلم
Bog aan la aqoon