58

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Noocyada

ولعلنا لاحظنا أن تطور العلم الحديث وتقدمه في مساره الواعد كان من زاوية ما عملية تخلص متوال من مفاهيم وكيانات لا علمية، منذ مفهوم الحركة الكينماتيكية المستقلة عن أي قوة أو مؤثر حتى الفلوجستون والقوى الحيوية والغائية ... وبالمثل تخلص علم النفس تباعا من مفاهيم تعرقله كعلم وتعوق طريقه إلى نسق العلم الحديث، من قبيل مفاهيم الروح والأنا الترانسندنتالية والوعي التحتي والنفسي الكلية وما قبل الشعور والإدراك اللاواعي والجوهر العقلي. انتهى أيضا مفهوم «القوى العقلية» الرديف السيكولوجي لمفهوم «القوى الحيوية» بكل بواعثه الكامنة في التشبث بالجهل المريح والبعد عن نسق العلم الحديث بمثالياته الصارمة، هجره علماء القرن التاسع عشر هجرانهم لمفهوم القوى الحيوية ، وأيضا تبتلا للتصور الميكانيكي الحتمي. واضطلع يوهان هربارت

J. Herbart (1776-1841م) بمحاولة لإقامة علم نفس يمكن أن يكون علم ميكانيكا العقل، قائم على منهج الاستبطان (أي تأمل الفرد لذاته أو حياته الباطنية كوسيلة لاستكشاف النفس وإقامة علم النفس)، ويستعين ببعض الفروض الفلسفية عن ماهية العقل وإمكانياته وببعض القوانين الرياضية. وكان هدف هربارت من هذا الجهاز المعقد هو إثبات أنه مهما كان استقلال العقل عن المادة، فإن له هو الآخر طبيعة ميكانيكية، بلغت مثل هذه الجهود نضجها مع أبحاث العالم الروسي إيفان بافلوف

I. Pavlov (1849-1936م) في أنشطة الجهاز العصبي في الإنسان والحيوان عن طريق آلية ردود الأفعال الشرطية المنعكسة التي تنطبق في الإنسان والحيوان على السواء. فأرسى بافلوف أسس علم النفس الحيواني، وانزاحت تماما فرضية ديكارت بأن الحيوان آلة، بينما للإنسان الجوهر العقلي والإرادة الحرة. لقد أصبح الكل سواء في خضوعه لمد العلم الحديث والانضواء في أطر نسقه العظيم.

إن علم الاجتماع هو أكثر فروع العلوم الإنسانية عمومية، يكاد يماثل وضع الفيزياء بالنسبة لنسق العلم ككل، فهو يتناول النسق الاجتماعي نسق الأوضاع الإنسانية حيث تتفاعل شتى العوامل ككل متكامل، بينما علم النفس هو الأكثر خصوصية وجزئية؛ إذ يبحث سلوك الفرد؛ لذلك يقال: إن علمي الاجتماع والنفس هما قطبا العلوم الإنسانية أو القوسان اللذان يقوسانها، وإلقاء الضوء على نشأتهما الناضجة في القرن التاسع عشر يوضح كيف انفتح الطريق أمام العلوم الإنسانية بمختلف فروعها لتلحق بمسيرة العلم الظافرة. وتحتل مواضع في نسقه وتتفتح أكمامها العلمية بري إبستمولوجيته، وقد شهد القرن التاسع عشر أيضا - بخلاف القطبين الكبيرين النفس والاجتماع - نشأة فروع أخرى من العلوم الإنسانية، كعلم الاقتصاد على يد آدم سميث، ثم طريقه الجديد مع كارل ماركس، واستقام جذع علوم السياسة ومنها الاقتصاد السياسي، وأصبحت الجغرافيا علما دقيقا منضبطا يستعين بالرياضيات في بعض فروعه، واستحدثت مناهج دقيقة وأكفأ للتأريخ وللكشف عن آلية التاريخ الكبرى ... إلخ. وصحيح أن العلوم الإنسانية لم تحرز نفس درجة التقدم التي أحرزتها العلوم الطبيعية، وإلى حد يمثل مشكلة ملحة سنبحثها في الفصل السادس، لكنها أثبتت ذاتها كعلوم منتمية لنسق العلم وانفتح أمامها طريقه الواعد بمزيد من التقدم دائما.

ومن الناحية الأخرى استطاع نسق العلم الحديث أن يستوعب قوانين وفروض ونظريات تحكم ظواهر هذا الوجود، سواء فلكية فيزيوكيماوية أو بيولوجية أو إنسانية.

ثالثا: إبستمولوجيا العلم الحديث

إبستمولوجيا العلم الحديث، أي نظرته لطبيعة المعرفة العلمية ومسلماتها وحدودها وأهدافها ... كانت منبثة خلال كل سطور الجزء السابق من هذا الفصل، ونحتاج فقط لبلورتها وتعيينها لوضع النقاط على الحروف. فقد اتضح أمامنا كيف انتظم العلم الحديث نسقا، والنسقية تعني أن لكل مكون من المكونات موضعه، وفقا لعلاقات منطقية.

هنالك أولا الرياضيات، إنها تاج العلم الحديث وأقنومه رمزه المبجل، تتبارى العلوم في الاقتراب منها والتسلح بلغتها، وتأمل أن تبلغ ما بلغته الفيزياء في هذا. على أن العلوم الرياضية هي علوم صورية

Formal Sciences

تعنى بصورة الفكر دون محتواه، قالب بحت يملأه التطبيق بالمضمون، إنها ملكة العلوم والمبحث الرفيع المترفع عن شهادة الحواس ولجة الواقع والوقائع، فلا تغوص فيه وليس مطلوبا منها أن تأتي بخبر عنه. والرياضيات تتلوها العلوم الإخبارية

Bog aan la aqoon