Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Noocyada
لذا ففي أعقاب المرحلة الإغريقية - الهلينية الخالصة - شهدت الجوانب النظرية والجوانب التطبيقية، أي العلم والتقانة على السواء فترة توهج وتألق فذة في العصر السكندري، حيث انصهرت العقلانية الإغريقية مع الحكمة والخبرة المصريتين الخصيبتين. وإذا كانت الإسكندرية قد ورثت عرش أثينا كمركز للعقل والمعرفة، فإن العلم في أثينا غير جدير بالمقارنة مع العلم في الإسكندرية، وحتى الرياضيات مجد أثينا العظيم قطعت في الإسكندرية خطى تقدمية واسعة، وأحرزت على يد إقليدس كمالا لا يزال مثالا يحتذى، ثم استئناف مسيرته بهندسة المجسمات والقطوع المخروطية مع هيبسكليس وأبولونيوس ومينا يخوموس وأريستا يوس
28 ... وارتبط بهذا تقدم في الفلك، فقدمت الإسكندرية نظريتين معالجتين رياضيا؛ الأولى لأرسطارخوس الساموسي على أساس من مركزية الشمس، والثانية لبطليموس على أساس من مركزية الأرض. ولأسباب كثيرة لا معرفية بل حضارية، أو بمصطلحات فلسفة العلم لأسباب نجدها في النظرة إلى العلم من الخارج وليس من الداخل، قدرت لمركزية الأرض السيادة طوال العصور الوسطى.
ونالت علوم الحياة أيضا حظا عظيما من العناية في مكتبة الإسكندرية ومتحفها، والذي لم يكن متحفا بالمفهوم الحديث، بل هو بهذا المفهوم أول جامعة في العالم. لقد جاهر جاليليو - أعظم آباء العلم الحديث - بأن إنجازاته ما كانت لتتاح دون إنجازات أرشميدس في ذلك العصر الزاخر، فهو الذي علمه التآزر الخصيب الولود بين الرياضيات ووقائع التجريب، وهذا التآزر هو مجمر توقد الفيزياء الحديثة. على الإجمال، يعد مؤرخو العلم المرحلة السكندرية من أهم مراحل تاريخ العلم، حتى يراها بعضهم تقف على قدم المساواة مع مرحلة الثورة العلمية الحديثة في القرن السادس عشر.
ومعلوم جيدا دور العلماء العرب في حمل لواء المنهج العلمي ومواصلة مسيرة البحث التجريبي في العصور الوسطى، التي كانت مظلمة في أوروبا وشهدت انحسار الحركة العلمية عنها. وكما قال برتراند رسل (1872-1970م): «في العصور الوسطى المظلمة كان العرب هم الذين يقومون بمهمة تنفيذ التقاليد العلمية، أما المسيحيون أمثال روجرز بيكن، فقد اكتسبوا منهم إلى حد بعيد ما اكتسبوه من معرفة علمية حازتها العصور الوسطى اللاحقة.»
29
لقد ترامت إمبراطوريتهم الناهضة وضمت مراكز الحضارات الأسبق في مصر والعراق والشام وفارس وجيرانها الآسيويين، وحتى الصين التي لم يفتحها العرب ولم يطئها جندي مسلم واحد، تكفلت طرق الحرير والقوافل التجارية بنقل تراثها التقاني الزاخر إلى العرب. وأصبح في متناول أيديهم كل التراث العلمي السابق عليهم تقريبا، في الحضارات الشرقية القديمة والتراث الإغريقي والسكندري؛ ليتفاعل مع تفتحهم الذهني وتسامحهم العقلي وعوامل شتى في حضارتهم التي كانت دافقة، وعبقرياتها من ذوي الملل والأجناس الشتى، فتشكلت أهم مراحل العلم القديم وغايته وقمته بإبداعاتهم الرائعة في شتى فروع العلم.
يقول ج. كراوثر: «كان من الطبيعي بعد أن اطمأنوا إلى قوتهم العسكرية ومعتقداتهم الإيمانية أن يتجهوا لتشييد المدن الرائعة ودراسة ثقافة الحضارات التي دانت لهم. وكان العرب المسلمون أمة جديدة بلا معرفة أو تراث سابق، فقرءوا التراث الفكري للقدماء بعقول متفتحة بلا خلفيات تعوقهم؛ ولذلك وقفت الثقافات الإغريقية واللاتينية والهندية والصينية جميعا بالنسبة لهم على قدم المساواة. وكان من نتائج هذه العقلية المتعطشة للمعرفة عند المسلمين أنهم أصبحوا بالفعل المؤسسين الحقيقيين لمفهوم العالمية في المعرفة أو وحدة المعرفة الإنسانية، وهي إحدى السمات بالغة الأهمية بالنسبة للعلم الحديث.»
30
وكما لاحظ هال، فإن العرب في هذا التفتح الواعد لم يرتدوا عن إيمانهم بالله أو تهاونوا في أخذ الدين مأخذ الجد، بيد أن تعصبهم انحسر وتنامى إحساسهم بمغزى التناسب، فشرعوا في تفهم واستيعاب فضائل النزعة الإنسانية.
31
Bog aan la aqoon