210

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Noocyada

والقابلية للاختبار قد ترتبط بالقابلية للتحقق، ولكن الخاصة المنطقية المميزة للعبارة العلمية هي إمكانية التكذيب، أي التفنيد والنفي، وليس مجرد التحقق ، مثلا العبارة «السماء ستمطر غدا» عبارة علمية؛ لأنها قابلة للاختبار التجريبي بمجيء الغد، وقد تمطر السماء، أي قد نتحقق منها، ولكن ليس هذا هو المناط في علميتها، بل المناط في إمكانية ألا تمطر السماء غدا، إمكانية تكذيبها. وبالبحث عن التكذيب وليس التحقق يمكن استبعاد عبارات مثل «غدا قد تمطر السماء أو لا تمطر»، وهي واجبة الاستبعاد؛ لأنها لا تعطينا محتوى إخباريا، فهي تحصيل حاصل، وحينما يأتي الغد فأيا كانت الخبرة الحسية، فسوف نتحقق منها، ولكن تكذيبها مستحيل، فنستطيع الحكم بأنها لا علمية. هكذا يمكننا معيار القابلية للتكذيب من استبعاد تحصيلات الحاصل المتنكرة في هيئة إخبارية، وهي واضحة متجلية في الفروض الميتافيزيقية الموغلة في غياهب العقل الخالص، وأيضا في الفكر الثيولوجي «الإلهيات»، وهما نمطان من التفكير غير قابلين للتكذيب، لا أصلا ولا فروعا، ولا مطلوب منهما هذا، فهما ليسا علما تجريبيا.

وبالطبع ثمة فارق بين القابلية للتكذيب

Falsifiability

وبين التكذيب

Falsification . وليس يعني المعيار التثبت بالفعل من كذب كل عبارة علمية وتفنيدها! كلا بالطبع، فهذه كارثة محققة، وإلا فما هو علمنا اليوم؟! إنه نسق العبارات القابلة للتكذيب والتي لم يتم تكذيبها بعد، فالمعيار هو القابلية للتكذيب من حيث المبدأ، من حيث القوة بمصطلحات أرسطو، أن نتثبت من أن إمكانية التكذيب قائمة في النظرية؛ لأن النظرية كاذبة بالفعل. إن القابلية للتكذيب مجرد معيار يحدد الخاصة العلمية للنظرية، أما التكذيب فهو حكم عليها، تقييم نهائي لها، رفض، وبالتالي تجاوزها، وإحراز خطوة تقدمية أبعد، قابلة بدورها للتكذيب، ويتم تكذيبها يوما ما بفرض أبعد قابل للتكذيب ... وهلم جرا في مسيرة العلم المطردة التقدم.

ولما كانت القابلية للتكذيب هي ذاتها القابلية للاختبار، كانت محاولة تكذيب النظرية هي ذاتها اختبار النظرية، وهذا الاختبار يفضي إما إلى التكذيب، وإما إلى التعزيز

Corroboration ، على النحو التالي:

التكذيب:

نحكم به على النظرية إذا لم تكن نتيجة الاختبار في صالحها، أي إذا تناقضت النتائج المستنبطة منها مع الوقائع التجريبية؛ لأن تكذيب النتائج تكذيب للنظرية ذاتها، فتستبعد من نسق العلم، رغم أنها علمية، لكننا وضعنا الإصبع على مواطن خطأ أو كذب، فيمكن تلافيه فيما سيحل محلها، فيكون أكثر اقترابا من الصدق، وأغزر في المحتوى المعرفي وفي القوة التفسيرية ... لذلك فكل تكذيب ظفر علمي جديد، وليس خسارة كما قد يبدو للنظرة العابرة.

التعزيز:

Bog aan la aqoon