196

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Noocyada

ونحن الآن في حاجة لتحديد المعالم الأساسية لإبستمولوجيا بوبر وأركان نظرية المعرفة عنده، وهذا بعبارة أخرى هو تخطيط لاستراتيجية الحرب الضروس ضد منطق التبرير سواء في الشكل الذي صاغته النزعة الاستقرائية أو في امتداداته المتطورة مع الوضعية المنطقية.

وفي هذا نجد أن المنطلق الأساسي لنظرية بوبر في المعرفة أو ركنها الركين هو إصراره على أن المعرفة في كل صورها - وعلى رأسها العلم - موضوعية؛ ذلك أن بوبر يميز بين مغزيين لمعنى كلمة «معرفة

Knowledge »:

المعرفة بالمغزى الذاتي:

وهي تتكون من اعتقادات الذات ونزوعاتها ومشاعرها وما تراه أو تقره أو تنكره، وبوبر يرى أن المعرفة بهذا المغزى من اختصاص علم النفس.

المعرفة بالمغزى الموضوعي:

وهي تتكون من كل مخزونات الكتب وأجهزة الكومبيوتر، أي كل الأفكار المطروحة سواء فلسفية أو علمية، ما دامت مصاغة لغويا إنها موضوع الإبستمولوجيا التي تبحث في محتواها المعرفي وعلاقاتها المنطقية وأسسها المنهجية ... تفكير نيوتن في نظريته ونزوعه نحو صياغتها مثال للمعرفة الذاتية، أما اللحظة التي صاغها فيها فهي الحد الفاصل الذي نقلها من بحوث علم النفس إلى بحوث الإبستمولوجيا؛ هذا لأن الصياغة اللغوية هي التي تجعلها قابلة للنقد والنقاش والتداول بين الذوات فتصبح موضوعية.

ويلاحظ بوبر خطأ كبيرا تردت فيه الإبستمولوجيا التقليدية منذ أرسطو وديكارت وهوبر، ثم باركلي وهيوم حتى كانط وصولا إلى رسل وفريجه، حين اعتبروا الإبستمولوجيا بحوثا في المعرفة التي تؤول إلى علاقة تربط عقولنا الذاتية بموضوع المعرفة، أسماها رسل الاعتقاد

belief ، أو الحكم

Judgement ، يكثف بوبر جهوده ليستأصل هذا الخطأ، ويؤكد أن الإبستمولوجيا لا شأن لها البتة بالذات العارفة، بل فقط بموضوع المعرفة. وهذه الموضوعية المنفصلة تماما عن الذوات تنسحب على العلم، وسواء اعتبرناه إبستمولوجيا متقدمة أو ظاهرة اجتماعية أو بيولوجية أو مجرد أداة معرفية أو حتى وسيلة للتكنولوجيا والإنتاج الصناعي، فهو بناء موضوعي متجرد من معرفة الذوات. وفلسفة بوبر بهذا تفترق تماما عن بعض التأويلات المثالية الذاتية التي شهدتها فلسفة العلم في القرن العشرين نتيجة التطرف في معالجة التغير الكبير الذي طرأ على مفهوم التجريبية.

Bog aan la aqoon